في أقل من ثانية واحدة، حوّل المطر عمود الإنارة من مصدر أمان إلى سلاح فتاك حصد حياة مواطن سعودي بريء في شوارع جدة. 220 فولت كافية لقتل إنسان في لحظات، وهي القوة الموجودة في كل عمود إنارة حولنا، بينما الآلاف من هذه الأعمدة في مدننا قد تكون قنابل موقوتة في انتظار المطر القادم.
المشهد المأساوي الذي تداوله آلاف المستخدمين على منصة "إكس" يوثق لحظات مرعبة لمحاولات يائسة للإنقاذ، حيث حاول المارة استخدام عصا لإبعاد الضحية عن العمود القاتل، لكن دون جدوى. "أحمد المطيري، 35 عاماً، أب لثلاثة أطفال، كان عائداً من عمله عندما اضطر للاحتماء قرب العمود"، حسبما ذكرت مصادر مطلعة، بينما أكد الخبراء أن هذه المأساة كانت قابلة للمنع بالكامل.
هذه الحادثة تذكرنا بكوارث الفيضانات المدمرة في جدة عامي 2009 و2011، حيث يستمر تاريخ المدينة المؤلم مع تحديات التصريف ومشاكل البنية التحتية. تسرب المياه للأسلاك الكهربائية وعدم وجود أنظمة حماية كافية يحول أعمدة الإنارة إلى ثعابين خفية تنتظر فرائسها في المطر. يؤكد د. محمد الزهراني، خبير أنظمة الكهرباء: "هذه الحوادث قابلة للمنع بالكامل، لكنها تتطلب استثمارات ضخمة وإرادة حقيقية للتغيير".
الخوف يسيطر الآن على المواطنين الذين باتوا يتجنبون الخروج أثناء هطول الأمطار، بينما تتصاعد المطالبات بتحقيقات عاجلة وحملات صيانة شاملة. "فاطمة أحمد، شاهدة عيان: المنظر مازال يطاردني.. صوت الصراخ لن أنساه أبداً". هذه المأساة تفتح الباب أمام فرص استثمارية ضخمة في تقنيات الحماية الكهربائية المتقدمة، بينما تلوح في الأفق ضرورة تحديث شامل للشبكة الكهربائية قد تكلف مليارات الريالات.
وفاتان في يوم واحد - في جدة وتبوك - تؤكد أن المشكلة أوسع من حادثة معزولة، بل هي جرس إنذار صارخ لضرورة العمل الجاد لحماية أرواح المواطنين. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: كم عمود إنارة آخر يحتاج لضحية قبل أن نتحرك؟ وهل ستكون الضحية القادمة... أنت؟