في تطور صادم هز الأسواق السياحية العالمية، صعدت الجزائر العاصمة من بين 85 مدينة عالمية لتحتل المركز الخامس في تصنيف "شنغهاي" العالمي لأفضل المدن لعام 2025. بينما تتراجع عواصم عربية عملاقة، ترتفع الجزائر كالطائر العنقاء من رماد عقود الإهمال، بفضل مشاريع استثمارية بمليارات الدولارات غيرت وجه المدينة إلى الأبد.
في قلب هذا التحول الجذري، يقف المسجد الأعظم بمئذنته الشاهقة 265 متراً - أعلى مئذنة في العالم - كرمز للنهضة الجديدة التي تفوق ارتفاع تمثال الحرية بـ100 متر كاملة. فاطمة بن صالح، رائدة أعمال استثمرت مبكراً في القطاع السياحي، تروي بحماس متدفق: "شاهدت الجزائر تتحول من مدينة منسية إلى جوهرة متوسطية خلال سنوات قليلة، والآن نحن نتنافس مع أعظم العواصم العالمية." منتزه "الصابلات" المطل على البحر، والواجهة البحرية الجديدة في باب الواد، ومتنزه "دنيا بارك" الممتد على 1059 هكتاراً، كلها معالم تحكي قصة نهضة بسرعة الصاروخ.
خلف هذا الإنجاز المدهش قصة كفاح ملحمية بدأت عام 2017 مع تدشين منتزه الصابلات، وصولاً إلى افتتاح المسجد الأعظم عام 2024. الاستثمار الحكومي الضخم ورؤية استراتيجية طموحة تهدف لإنشاء واجهة بحرية بطول 50 كيلومتر قبل 2030 - مسافة تعادل تقريباً الطريق من الرباط إلى الدار البيضاء. رابح عليلش، المختص في السياحة والبيئة، يؤكد بثقة: "تصنيف العاصمة الجزائر يعني أننا أمام مدينة آمنة، وهو أحد أهم المعايير في اختيارات السياح العالميين." كما نهضت دبي من الرمال في عقدين، تنهض الجزائر اليوم من تحديات الماضي لتعيد كتابة خريطة السياحة العربية.
هذا التحول الدراماتيكي لم يعد مجرد إنجاز رمزي، بل ثورة اقتصادية واجتماعية حقيقية تلمسها كل أسرة جزائرية. محمد العاصمي، الذي عاش عقوداً في الإهمال، يشهد اليوم على تحسن جذري في نوعية الحياة مع ارتفاع موجة الفخر الوطني التي تجتاح الشوارع. الأرقام تتحدث بوضوح مدوي: من 3.5 مليون سائح عام 2024 إلى هدف 4 مليون هذا العام، بينما تستهدف الجزائر مساهمة السياحة بنسبة 10% من ناتجها المحلي البالغ 400 مليار دولار. الخبير الاقتصادي بلقاسم حداد يؤكد: "العاصمة الجزائر أصبحت بوابة السياحة وعاملاً محورياً في الاقتصاد الوطني." الفرص الاستثمارية تتفجر في كل زاوية، من الفندقة الفاخرة إلى المطاعم والخدمات السياحية المتطورة.
اليوم، بينما تنظر العواصم العربية بإعجاب وحسد لهذا التحول المذهل، تقف الجزائر على أعتاب عقد ذهبي قد يحولها إلى "دبي المغرب العربي" بحلول 2030. الواجهة البحرية الضخمة التي تمتد كالأفق، والمعالم الدينية الاستثنائية التي تخترق السحاب، والمساحات الخضراء الواسعة التي تتنفس بعبق المتوسط، كلها تشير إلى مستقبل سياحي يحبس الأنفاس. لكن الخبراء ينصحون بإلحاح: احجز رحلتك للجزائر اليوم قبل أن تصبح غالية ومزدحمة مثل دبي. هل ستكون من أوائل من اكتشفوا جوهرة المتوسط الجديدة، أم ستنتظر حتى يكتشفها العالم كله ويفوت القطار إلى الأبد؟