في تطور صادم هز الأوساط العلمية العالمية، كشفت أعماق البحر الأحمر عن كنز طبيعي عاش لأكثر من 800 عام - مستعمرة مرجانية عملاقة أقدم من معظم القلاع الأوروبية وتحمل ذاكرة مناخية أكثر دقة من أي كتاب تاريخ. هذا الاكتشاف الذي قد يغير فهمنا لتاريخ المناخ بالكامل، لكن الخبراء يحذرون: قد نفقده إلى الأبد إذا لم نحمه الآن.
في لحظة تاريخية تحت مياه وجهة أمالا، كشفت فرق الغوص العلمية التابعة لشركة "البحر الأحمر الدولية" عن مستعمرة مرجانية من نوع "بافونا" تحكي قصة 29,200 يوم من النمو المتواصل. "هذا ليس مجرد مرجان... إنه أرشيف طبيعي حي يحتوي على معلومات مناخية أكثر دقة من أي سجل بشري"، تقول د. سارة المطيري، عالمة الأحياء البحرية السعودية التي كانت أول من تأكدت من عمر هذه الكبسولة الزمنية الحية التي تفوق حجم عدة ملاعب كرة قدم.
هذا المرجان العملاق بدأ نموه قبل اكتشاف أمريكا، ونما عبر عصور الدول والإمبراطوريات، صامداً أمام تغيرات مناخية وبحرية هائلة شهدت صعود وسقوط الإمبراطورية العثمانية وقيام الدولة السعودية بمراحلها الثلاث. المياه الفريدة للبحر الأحمر والاستقرار النسبي للمنطقة ساهما في الحفاظ على هذا الكنز الطبيعي الذي يتفوق على الاكتشافات المرجانية في أستراليا بالعمر والحالة الممتازة. "قد يعيد كتابة فهمنا لتاريخ المناخ في المنطقة ويساعد في التنبؤ بالتغيرات المستقبلية"، يؤكد د. محمد الشريف، المتخصص في المرجان بجامعة الملك عبدالله.
بينما يصف ياسر السائح الإماراتي، الغواص الهاوي، شعوره بالذهول عندما رأى المستعمرة لأول مرة "كأنها مدينة حية تحت الماء بألوان تتراقص مع ضوء الشمس المتسرب من الأعماق"، تبرز الفرص الذهبية للاستثمار في السياحة البيئية الفاخرة التي قد تدر مليارات الريالات على المملكة. أحمد الغواص المحلي، الذي يعمل في المنطقة منذ 20 سنة، يعترف بدهشة: "لم أكن أعلم أنني أسبح فوق كنز عمره قرون". لكن التحدي الحقيقي يكمن في الموازنة بين الاستفادة الاقتصادية والحماية البيئية الصارمة لضمان بقاء هذا الإرث الطبيعي للأجيال القادمة.
مع تخطيط شركة "البحر الأحمر الدولية" لتحويل هذا الاكتشاف إلى وجهة سياحية استثنائية ضمن مشروع "Map the Giants" العالمي، يقف العالم أمام لحظة فاصلة. هل سيصبح هذا الكنز الطبيعي نموذجاً عالمياً في الاستدامة يجمع بين المغامرة السياحية والحماية البيئية... أم سنشهد تدميره باسم التطوير؟ الآن هو الوقت المناسب للاستثمار في السياحة البيئية المسؤولة ودعم جهود الحماية قبل أن نفقد هذه النافذة الفريدة على تاريخ مناخ الأرض إلى الأبد.