في تطور صادم يكشف عمق الأزمة الاقتصادية اليمنية، يعيش الريال اليمني أزمة هوية حقيقية حيث يختلف سعر الدولار الواحد بـ1100 ريال بين المناطق المختلفة - فجوة تعادل راتب عامل يمني كامل! في عدن، يصل الدولار إلى 1625 ريال بينما في صنعاء لا يتجاوز 523 ريال، كأن البلد يضم ثلاث دول اقتصادية منفصلة. الخبراء يحذرون: هذه قنبلة موقوتة تهدد بتدمير ما تبقى من الاقتصاد اليمني.
أحمد الحضرمي، مغترب في السعودية، يعيش هذه المأساة يومياً: "أرسل 500 دولار شهرياً لأسرتي في صنعاء، لكنها تصل بقيمة 260 ألف ريال بدلاً من 810 آلاف لو كانت في عدن". البنك المركزي في عدن يحاول يائساً ضبط المضاربات، لكن كما يؤكد مصدر مصرفي: "الواقع أقوى من القرارات، والناس تتعامل بثلاثة أسعار مختلفة لنفس العملة". سالم الصرّاف الذي يعمل في سوق الصرف بعدن منذ 20 عاماً يقول بحسرة: "لم أر في حياتي فوضى مثل هذه، الناس لا تعرف قيمة أموالها الحقيقية".
الجذور التاريخية لهذه الكارثة تعود إلى 2014 عندما انقسم اليمن اقتصادياً مع وجود بنكين مركزيين منفصلين، في سيناريو يشبه انقسام ألمانيا الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية. د. محمد العولقي، اقتصادي يمني بارز، يحذر: "هذه الفجوة بمثابة قنبلة موقوتة ستدمر ما تبقى من الاقتصاد اليمني". الحرب الأهلية المستمرة والانقسام السياسي وضعف الموارد الاقتصادية خلقت واقعاً سريالياً حيث يمكن للدولار الواحد أن يشتري وجبة طعام أو وليمة كاملة حسب المنطقة الجغرافية.
العائلات اليمنية تعيش في حيرة مستمرة، فالمواطن لا يستطيع تحديد سعر رغيف الخبز إذا انتقل بين المحافظات. فاطمة التاجرة استطاعت تحويل هذه الفوضى إلى فرصة، حيث بنت تجارة مربحة من استغلال فروقات أسعار الصرف: "حولت 10 آلاف دولار إلى إمبراطورية تجارية صغيرة من خلال التنقل بين المناطق". لكن الأغلبية العظمى تعاني من تآكل مدخراتها، حيث تفقد الأموال قيمتها بمجرد عبور خط جغرافي وهمي. المتخصصون يتوقعون المزيد من التدهور مع احتمالية الاعتماد الكامل على الدولار كبديل للعملة المحلية المنهارة.
اليمن اليوم يقف على مفترق طرق خطير: إما الحل السياسي الشامل الذي يوحد النظام النقدي، أو الانهيار الاقتصادي الكامل الذي قد يجعله أول دولة في التاريخ الحديث تفقد عملتها الوطنية دون حرب عالمية. المجتمع الدولي مطالب بتدخل عاجل لإنقاذ 30 مليون يمني من كارثة اقتصادية قد تُعيد تشكيل خريطة المنطقة. السؤال الذي يؤرق الجميع: هل ستصمد أقدم الحضارات أمام انهيار عملتها، أم أن التاريخ على وشك تسجيل سابقة اقتصادية مأساوية؟