في تطور صادم هز الأسواق العربية والعالمية، انكشفت فجوة اقتصادية جنونية تقسم اليمن إلى عالمين منفصلين تماماً، حيث يبلغ سعر الدولار الواحد 1617 ريالاً في عدن مقابل 524 ريالاً فقط في صنعاء - فارق مذهل يتجاوز 1000 ريال للدولار الواحد! هذا الرقم الصادم يعني أن المواطن في صنعاء يحتاج لأكثر من ثلاثة أضعاف المبلغ لشراء نفس السلعة المستوردة مقارنة بنظيره في عدن، في مشهد لم تشهده أي دولة في التاريخ الحديث.
أم سالم، معلمة متقاعدة من تعز، تروي مأساتها بصوت مختنق: "راتبي التقاعدي 50 ألف ريال كان يساوي 100 دولار قبل سنوات، واليوم لا يساوي 30 دولاراً في عدن فقط!" الأرقام تتحدث عن كارثة حقيقية: الفارق البالغ 1093 ريالاً للدولار الواحد يعادل نسبة 211%، وهو رقم يفوق انهيار العملة في ألمانيا خلال العشرينات. سمير الحوالي، الذي يعمل في تحويل الأموال منذ عقدين، شاهد رجلاً يبكي عندما اكتشف أن حوالته 1000 دولار تحولت إلى 522 ألف ريال بدلاً من مليون ونصف المتوقع.
خلف هذا الانهيار التاريخي تكمن مأساة عقد كامل من الحرب المدمرة التي قسمت البلاد ومعها النظام النقدي. انقسام البنوك المركزية بين صنعاء وعدن، وتوقف صادرات النفط، والحصار الاقتصادي المستمر - كلها عوامل تضافرت لتخلق أسوأ انهيار عملة في التاريخ المعاصر. د. محمد الشامي، خبير اقتصادي متخصص في أزمات العملات، يؤكد: "ما نشهده في اليمن يتجاوز كل الأزمات النقدية التي عرفها العالم، حتى أزمات فنزويلا وزيمبابوي تبدو بسيطة أمام هذا الانهيار المروع."
في أسواق الصرف بصنعاء، يصطف المواطنون بأكياس ضخمة من الأوراق النقدية المتهالكة لشراء أبسط احتياجاتهم، بينما في عدن يحقق المضاربون أرباحاً خيالية تصل إلى 212% من صفقة واحدة. أحمد التاجر من صنعاء اكتشف طريقة مضمونة لمضاعفة أمواله: "أشتري الدولارات من صنعاء وأبيعها في عدن، ربح مضمون دون مخاطر!" هذا الوضع المأساوي يعني أن ملايين اليمنيين باتوا محاصرين اقتصادياً في مناطقهم، فالسفر بين المدن أصبح مغامرة مالية محفوفة بالمخاطر.
الخبراء الاقتصاديون يحذرون من سيناريوهات أكثر سوداوية في الأفق: انقسام كامل للاقتصاد اليمني وظهور عملتين منفصلتين رسمياً. الحل الوحيد يكمن في تدخل عربي ودولي عاجل لتوحيد النظام النقدي وإنقاذ ما تبقى من الاقتصاد اليمني. السؤال المؤرق الذي يطرح نفسه: هل سنشهد اختفاء الريال اليمني من التاريخ نهائياً، أم أن هناك بصيص أمل في إنقاذ ما تبقى من اقتصاد هذا البلد المنكوب؟