في تطور صادم يعيد رسم خريطة الشرق الأوسط، انهارت 9 سنوات من الحضور العسكري السعودي في اليمن خلال أسبوع واحد فقط، في أكبر عملية انسحاب عسكري تشهدها المنطقة منذ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. المجلس الانتقالي الجنوبي يسطو على محافظتين كاملتين دون إطلاق رصاصة واحدة، بينما تتسارع الأحداث بوتيرة مرعبة تنذر بتغيير جذري في موازين القوى الإقليمية قد يعيد تشكيل الشرق الأوسط إلى الأبد.
في مشهد يذكرنا بانهيار الدومينو، سقطت سيئون وحضرموت والمهرة في قبضة المجلس الانتقالي خلال 7 أيام مرعبة، بينما غادرت الكتيبة السعودية-السودانية مواقعها في معاشيق حاملة معها كامل عتادها في صمت مطبق. "لم نتوقع هذا السقوط السريع، كان الأمر وكأن أحداً رفع الراية البيضاء دون حرب" - هكذا وصف أحمد العسيري، ضابط سعودي متقاعد، مشاعره وهو يشاهد انهيار 9 سنوات من التضحيات في لحظات قليلة. الأرقام صادمة: منطقة بحجم بلجيكا وهولندا مجتمعتين تغيرت خريطتها السياسية في وقت أقل مما يستغرقه أسبوع عادي.
هذا الانسحاب ليس مجرد قرار عسكري، بل نهاية حقبة كاملة من الهيمنة المباشرة التي بدأتها السعودية عام 2015. مثل لاعب شطرنج ماهر يعيد ترتيب قطعه قبل الهجمة الحاسمة، تعيد الرياض الآن حساباتها الاستراتيجية في مواجهة واقع جديد فرضته قوى محلية تحركت بسرعة البرق. "إعادة تموضع شاملة لمسرح العمليات" - هكذا تصف المصادر العسكرية السعودية ما يحدث، لكن الخبراء يرون الأمر مختلفاً تماماً. د. محمد العريقي، خبير الشؤون اليمنية، يؤكد: "هذا تحول جذري من الهيمنة المباشرة إلى التأثير عن بُعد، لكن السؤال: هل ستنجح هذه الاستراتيجية؟"
علي الكثيري، مواطن من سيئون، يروي كيف تغيرت حياته في ليلة واحدة: "استيقظت لأجد أعلام المجلس الانتقالي ترفرف فوق المباني التي كانت تحت سيطرة الحكومة الشرعية منذ سنوات." هذا التغيير ليس مجرد تبديل أعلام، بل إعادة تشكيل كاملة لمستقبل اليمن. أسعار النفط اليمني تتأرجح، الخدمات الحكومية في حالة فوضى، وملايين اليمنيين يجدون أنفسهم تحت إدارة جديدة لم يختاروها. الوضع ينتشر بسرعة النار في الهشيم، والمنطقة كلها تترقب الخطوة التالية. استثمارات بمليارات الدولارات معلقة في الهواء، وشركات النفط تعيد تقييم مخاطرها في منطقة أصبحت أكثر تقلباً من البورصة في يوم أسود.
بينما يحلق رشاد العليمي فوق الرياض للمشاورات الطارئة، تطرح الأسئلة المصيرية نفسها بقوة: هل نشهد الآن التقسيم الفعلي لليمن إلى دولتين منفصلتين؟ أم أن هذا مجرد فصل جديد في رواية أكثر تعقيداً؟ ما حدث في 7 أيام قد يحدد مصير المنطقة للعقود القادمة. المؤكد أن الشرق الأوسط الذي نعرفه بدأ يتغير، والسؤال الأهم: هل أنت مستعد لما قد يأتي بعد ذلك؟