في تطور صادم هز الأوساط الاقتصادية اليمنية، وصل سعر جرام الذهب عيار 24 إلى 32,188 ريال يمني - مبلغ يوازي راتب موظف حكومي كامل! بينما سجل المعدن النفيس انخفاضاً طفيفاً بـ 278 ريال يوم السبت، إلا أن الصورة الأكبر تكشف عن انفجار حقيقي في الأسعار بنسبة 52% خلال عام واحد، وارتفاع مذهل بنسبة 117% خلال السنوات الخمس الماضية. الخبراء يحذرون: كل يوم تأخير في التحول للذهب يعني خسارة أكبر لقيمة مدخراتك في ظل انهيار الريال المستمر.
فاطمة العدنية، ربة بيت في الأربعينيات، تحكي قصة نجاحها المذهلة: "اشتريت ذهباً بـ 50 ألف ريال قبل خمس سنوات، واليوم أصبح يساوي 109 ألف ريال". بينما يقف أحمد المقطري، الموظف الحكومي من صنعاء، في الطرف الآخر من المعادلة محكياً مأساته: "راتبي الذي كان يكفيني لشراء 3 جرامات ذهب قبل 5 سنوات، لا يكفي اليوم لشراء جرام واحد". الأرقام تصرخ بوضوح: أونصة الذهب الواحدة تكلف الآن مليون ريال يمني تقريباً - مبلغ يوازي سعر سيارة صغيرة مستعملة في العاصمة صنعاء.
الجذور العميقة لهذا الارتفاع الجنوني تمتد إلى عقد كامل من الحرب والأزمة الاقتصادية الخانقة. انهيار الريال اليمني، والتضخم الجامح، وفقدان الثقة في النظام المصرفي - كل هذه العوامل دفعت اليمنيين للبحث عن ملاذات آمنة لحماية مدخراتهم. د. محمد الحضرمي، خبير الاقتصاد، يؤكد: "ما يحدث في اليمن مشابه لما شهدته فنزويلا وزيمبابوي، حيث يصبح الذهب البديل الطبيعي للعملة المنهارة". التوقعات تشير إلى استمرار هذا الاتجاه طالما استمرت الأزمة السياسية والاقتصادية.
في أسواق الذهب التقليدية بصنعاء وعدن، تغيرت ملامح الزبائن بشكل جذري. علي التاجر، صائغ في سوق الملح العريق، يكشف: "الإقبال على شراء الذهب زاد 300% خلال العامين الماضيين، وأصبحت ربات البيوت يشترين سلاسل ذهبية بدلاً من الاحتفاظ بالأوراق النقدية". المشهد يحكي قصة تحول جذري: أصوات المساومة تختلط بأصوات القلق، وبريق الذهب يعكس بريق الأمل في عيون المتسوقين. التحدي الأكبر يكمن في مخاطر الغش والسرقة، إضافة إلى صعوبة التحقق من جودة المعايير، لكن هذا لم يثن اليمنيين عن المضي قدماً في استراتيجية الحماية هذه.
بينما يواصل الذهب تحطيم الأرقام القياسية محلياً، تتجه الأنظار نحو المستقبل حيث يترسخ المعدن النفيس كبديل دائم للريال المنهار. الخبراء ينصحون بالاستثمار التدريجي والشراء عند التراجعات الطفيفة، مع التأكيد على ضرورة التنويع بين العيارات والشراء من مصادر موثوقة. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل ستظل تحتفظ بأوراق تفقد قيمتها يومياً، أم ستحمي مستقبلك ومستقبل عائلتك بالتحول إلى الذهب قبل فوات الأوان؟
