في صدمة جديدة تضرب الاقتصاد اليمني بقوة، قفز سعر الدولار الأمريكي إلى مستوى قياسي بلغ 535 ريالاً يمنياً، في رقم صاعق يعني أن راتب الموظف الحكومي البالغ 150 ألف ريال أصبح يساوي أقل من 300 دولار شهرياً. هذا الارتفاع المدمر يمثل انهياراً بنسبة 114% مقارنة بأسعار ما قبل الصراع عام 2014، مما يضع ملايين اليمنيين أمام كارثة اقتصادية حقيقية تهدد أبسط مقومات الحياة.
شهدت أسواق الصرف في عدن والمحافظات المحررة مع بداية التعاملات الأسبوعية حركة محمومة، حيث تراوحت أسعار الدولار بين 533-535 ريالاً للشراء والبيع. "الوضع كارثي والأسعار تتغير كل ساعة"، يقول خالد المقطري، أحد تجار الصرف في عدن، وهو يشير إلى الطوابير الطويلة أمام محله. فيما سجلت العملات الأخرى ارتفاعات مؤلمة: الريال السعودي بـ 140.10 ريال، واليورو بـ 646 ريالاً، والدرهم الإماراتي بـ 149 ريالاً. أما أحمد علي، موظف حكومي، فيروي مأساته: "راتبي كله لا يكفي لشراء الدواء لوالدتي المريضة، كأننا نعيش في جحيم اقتصادي."
هذا الانهيار المتسارع للريال اليمني ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج تراكمات مدمرة منذ بداية الصراع المسلح عام 2014. العوامل المؤثرة تتراوح بين توقف إنتاج النفط، وانهيار الخدمات المصرفية، وتراجع التحويلات الخارجية، إضافة إلى الحصار الاقتصادي المفروض على البلاد. الدكتور محمد العزاني، الخبير الاقتصادي، يحذر قائلاً: "نحن أمام سيناريو مشابه لانهيار العملة الألمانية في عشرينيات القرن الماضي، والوضع قد يصل لنقطة اللاعودة خلال الأشهر القليلة المقبلة." المؤشرات تشير إلى أن الاعتماد شبه الكامل على الاستيراد، مع تراجع الاحتياطيات من العملة الصعبة، يدفع البلاد نحو هاوية اقتصادية عميقة.
التأثير المدمر لهذا الانهيار يضرب الحياة اليومية للمواطنين بلا رحمة. فاطمة الحرازي، ربة منزل وأم لثلاثة أطفال، تبكي وهي تقول: "كيلو السكر أصبح بـ 3000 ريال، والحليب بـ 2500 ريال، راتب زوجي لا يكفي حتى لأسبوع واحد." المستشفيات تواجه نقصاً حاداً في الأدوية المستوردة، والمدارس تغلق أبوابها لعدم قدرة الأهالي على دفع الرسوم. السيناريوهات المطروحة تتراوح بين استمرار التدهور ووصول الدولار إلى 1000 ريال، أو تدخل دولي عاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. الخبراء ينصحون المواطنين بتنويع مصادر الدخل والاحتفاظ بجزء من المدخرات بالعملة الصعبة، فيما يحذرون من اتخاذ قرارات استثمارية كبيرة في هذه الظروف المتقلبة.
مع استمرار هذا الانهيار المرعب، يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: هل ستجد الحكومة اليمنية والمجتمع الدولي حلولاً عاجلة لوقف هذا النزيف الاقتصادي، أم أن اليمن يتجه حتمياً نحو انهيار اقتصادي كامل قد يدفع بملايين المواطنين إلى المجاعة والنزوح؟ الوقت ينفد بسرعة، وكل يوم تأخير يعني معاناة أكبر لشعب ينتظر المعجزة الاقتصادية التي قد تنقذه من الهاوية.