في لحظة تاريخية لن ينساها التاريخ، وبعد 1,826 يوماً من الانتظار القاسي، استيقظ 6 ملايين يمني على خبر صاعق غيّر مجرى حياتهم: انتهت المعاناة أخيراً! أعلن البنك المركزي اليمني في صنعاء رسمياً بدء صرف مرتبات شهر أكتوبر لـ1.2 مليون موظف حكومي، مسدلاً الستار على أطول فترة حرمان في التاريخ الحديث. اليوم هو اليوم الأول من حياة جديدة لربع الشعب اليمني.
في تطور مفصلي يشبه المطر الذي يسقط على أرض عطشى بعد سنوات من الجفاف، بدأت هيئة البريد بصنعاء صرف الرواتب عبر فروعها المختلفة باستخدام منظومة المدفوعات الإلكترونية المتطورة لأول مرة منذ 2014. "البنك المركزي يؤكد: هذه بداية عهد جديد من الانتظام المالي" كما أعلنت وزارتا المالية والخدمة المدنية. أحمد المنصوري، موظف في وزارة التعليم وأب لأربعة أطفال، لا يصدق ما يحدث: "باعت زوجتي حليها الذهبي لنشتري الطعام... اليوم ستعود الكرامة إلى بيتنا." الأرقام تتحدث بوضوح: 60 شهراً من العذاب تساوي عمر طفل كامل من الولادة حتى دخول المدرسة.
القصة بدأت في 2014 عندما اشتعل الصراع وانهار النظام المصرفي اليمني، مما أدى إلى انقطاع الرواتب وتقسيم البلاد مالياً وإدارياً. آخر مرة شهدت فيها اليمن انتظاماً في صرف الرواتب كان في عهد الاستقرار النسبي قبل اندلاع الأزمة. الخبراء الاقتصاديون يتوقعون انتعاشاً فورياً بنسبة 40% في الأسواق المحلية، في مقارنة تشبه إعادة الإعمار بعد الحروب العالمية. د. محمد العزاني، خبير اقتصادي، يؤكد: "هذه الخطوة ستحقق تحولاً جذرياً في مؤشرات الثقة، لكن الاستدامة هي التحدي الأكبر."
التأثير الفوري بدأ يظهر في الشوارع: طوابير طويلة أمام فروع البريد، ابتسامات عريضة على وجوه الموظفين، وحركة نشطة في الأسواق. فاطمة الحديدي، موظفة في وزارة الصحة استطاعت الصمود رغم انقطاع الراتب، تقول وهي تمسح دموع الفرح: "أخيراً سأستطيع شراء دواء والدتي المريضة." عبدالله الصوفي، صاحب محل بقالة، يستعد لأكبر موسم مبيعات منذ سنوات: "لأول مرة منذ سنوات سأرى زبائني يشترون بدون أن يطلبوا الدين." الأطفال يجرون في الشوارع نحو المحلات، ورائحة الأوراق النقدية الجديدة تملأ الأجواء، والعائلات تعيش لحظات من الفرح الخالص بعد غياب طويل.
بينما تنتشر موجة الفرح كانتشار النار في الهشيم، يبقى السؤال الأهم: هل ستكون هذه بداية النهاية لمعاناة الشعب اليمني، أم مجرد استراحة محارب في رحلة طويلة نحو الاستقرار؟ الخبراء يحذرون من ضرورة ضمان الاستمرارية لتجنب العودة إلى دوامة الأزمة، بينما 6 ملايين يمني يتطلعون بأمل حذر نحو مستقبل أفضل. اليوم انتهت المعاناة... والمستقبل في أيدي من يضمنون استمرار هذا الأمل.