في تطور مالي صادم يهز أركان الاقتصاد اليمني، سجلت أسعار الصرف فجوة جنونية تبلغ 1093 ريال للدولار الواحد بين عدن وصنعاء، في أكبر انقسام نقدي تشهده البلاد منذ عقود. هذا يعني أن المواطن الذي يحمل دولاراً واحداً من عدن إلى صنعاء يخسر أكثر من ألف ريال في رحلة واحدة، في مشهد اقتصادي لا يصدقه العقل.
وكشفت مصادر مصرفية مطلعة أن الدولار وصل إلى 1633 ريالاً للبيع في عدن مقابل 540 ريالاً فقط في صنعاء، بفجوة تتجاوز 202%. أم أحمد، موظفة حكومية في عدن تبلغ من العمر 45 عاماً، تروي مأساتها: "كنت أرسل راتبي البالغ 300 دولار لأسرتي في صنعاء، واليوم اكتشفت أن قيمته انخفضت إلى النصف بسبب هذا التفاوت المجنون." الريال السعودي أيضاً لم يسلم من هذه الفوضى، حيث يُباع بـ428 ريالاً في عدن مقابل 140.5 ريال في صنعاء.
هذا التشتت النقدي ليس وليد اللحظة، بل تراكم لسنوات من الانقسام السياسي والاقتصادي منذ 2014، عندما انقسم البنك المركزي اليمني إلى مؤسستين منفصلتين تتبعان حكومتين مختلفتين. الخبير الاقتصادي د. محمد العامري يحذر قائلاً: "هذا التفاوت كارثة حقيقية تهدد الوحدة الاقتصادية للبلاد، وقد نشهد قريباً ظهور عملتين منفصلتين تماماً كما حدث في كوريا الشمالية والجنوبية." المشهد يذكّرنا بأزمة لبنان الأخيرة، لكن بوتيرة أسرع وتأثير أعمق.
المواطن العادي يدفع الثمن الأكبر لهذه الفوضى النقدية، فأسعار السلع الأساسية ترتفع يومياً، والأسر تواجه صعوبة في شراء الخبز والدواء. عبدالله، مسافر بين المدينتين، يصف الوضع: "عندما أحمل دولارات من عدن إلى صنعاء أشعر كأنني ملك، لكن العكس يجعلني أشعر بالإفلاس التام." خالد الصراف، البالغ من العمر 38 عاماً، استطاع استغلال هذه الفجوة لتحقيق أرباح يومية خيالية، لكنه يؤكد أن هذا الوضع مؤقت وسينهار قريباً.
أمام هذا المشهد المرعب، يبقى السؤال المصيري: هل سيصحو اليمنيون غداً ليجدوا عملتهم الموحدة قد تبخرت إلى الأبد؟ الخبراء ينصحون بالتحول العاجل للذهب أو العملات الصعبة، قبل أن تصبح المدخرات مجرد أوراق لا قيمة لها. الوقت ينفد، والقطار الاقتصادي يسير نحو الهاوية بسرعة مخيفة.