تخيل طبيبا يدخل غرفة العمليات والرعب يتملكه، لا لأنه لا يعرف ما سيفعل أو ما يمكن أن يحدث من احتمالات فيما يتعلق بالحالة الصحية للمريض، ولكن من جراء ما سيفعله به أهل المريض إن أصابه مكروه جراء العملية أو أنه توفي في غرفة العمليات.
هذا ما تشعر به أخصائية النساء والولادة الدكتورة أمل محمد أحمد العاملة في احدي المستشفيات العاصمة اليمنية صنعاء، والتي عبرت عنه في حديث للقسم العربي لإذاعة هولندا العالمية، فكرته الأساسية تداخل السلطة الذكورية والسلطة القبلية في المجتمعات العربية، وأثر ذلك علي وضعية المرأة وحريتها في تلقي الرعاية الطبية.
أصدرت منظمة هيومان رايتس ووتش بيانا صحفيا تقول فيه إن المرأة في بلدان مثل السعودية، لا تمتلك الحرية في ممارسة الخيارات في أكثر الأشياء مساسا بها دون إذن من ولي أمرها، وهو تلقي الرعاية الطبية الأمر الذي يعني تكريس الوصاية عليها، وحجب حقها في السيادة علي نفسها واتخاذ القرار الذي يناسبها.
رعاية أم وصاية؟
طرح الأمر بهذه الصيغة (أبيض أسود) ربما يؤدي إلى تجاهل حقائق ومعطيات كثيرة تطبع المجتمعات العربية عموما، والمجتمعات القبلية علي وجه الخصوص. أولى هذه الحقائق هي محاولة حماية الشخص للدرجة التي تتحول فيه هذه الحماية إلي وصاية.
فالمريض المصاب بداء مثل السرطان مثلا، أو جلطة في الدماغ، ويحتاج لعملية جراحية، تحجب عنه حقيقة المرض الذي يعاني منه حتى توفر عليه الصدمة التي تنجم عن معرفة الحقيقة. وهذا معاكس تماما للوضع الذي يعامل فيه الفرد كراشد وسيد على نفسه وجسده، حتى وإن كان طفلا، من حيث شرح حقيقة ما يعانيه بالتفصيل والمضاعفات المحتملة لمرضه.
ولكن ومع ذلك فإن هنالك شبهة ممارسة وصاية علي النساء، وحرمانهن أحيانا من تلقي الرعاية الطبية بالشكل الذي يقرره الطبيب المختص. هذا ما تقوله وتعترف به الدكتورة أمل محمد أحمد من صنعاء.
أما الباحث اليمني عبد الناصر المودع، فيقر أيضا بأنه لا يمكن عزل الثقافة الذكورية عن الثقافة القبلية فاحداهما امتداد للأخرى. لهذا فهو ينادي بأخذ الأمر في سياقه. فالمستشفيات في اليمن تشترط موافقة أولياء المريض، بالتوقيع على إقرار خاص قبل إجراء العملية الجراحية مثلا. هذا الأمر ينطبق على الرجال والنساء على حد سواء، ولكن عبد الناصر يقول إن الفرق يكمن في أن الرجل بامكانه التوقيع عن نفسه أحيانا.
انعدام الثقة
الأمر الثاني الذي يزيد من تعقيد الأوضاع يتعلق بالدولة ومسئوليتها. ففي حالات حدوث وفاة نتيجة لتلقي العلاج الطبي، أو أية مضاعفات أخرى، فإن الدولة هي المسئولة عن أداء المؤسسات الطبية، وهي التي تتحرى إن كانت هنالك شبهة إهمال أو خطأ طبي. ولكن هذا على المستوى النظري فقط، كما يقول الباحث اليمني عبدالناصر المودع لإذاعتنا، أما من الناحية العملية فإن القبيلة هي التي تتولى الأمر، وهي التي تتولى التفاوض مباشرة مع المستشفى للوصول إلي صلح قبلي بين المستشفى وأهل المريض المتوفي. وهذا أمر يصرف المستشفيات عن أداء مهمتها الأساسية بتوفير الرعاية الطبية إلى التباحث مع ممثلي القبائل ودفع الغرامات لأولياء المرضى. بل وصل الأمر إلى أن أحد الأطباء قد لقي حتفه مقتولا من قبل أولياء المريض لأنه أخبر أحدهم أن والده في حالة احتضار. وهي قصة مشهورة تعرفها كل اليمن.
تعليل هذه الطريقة في التعامل يعود، بحسب عبد الناصر المودع إلى ضعف الدولة وعدم ثقة المتخاصمين في النظام القضائي الرسمي.
ضرب وإهانة
ولكن ضمن هذه اللوحة التي ترسم ضعف الدولة، وتحكم القبيلة في أداء مؤسسات الدولة يبقى السؤال مطروحا: هل تعاني المرأة من هذه الوضعية؟
هل تحرم من حقها من تلقي العلاج والرعاية الصحية كما يقررها أهل الاختصاص؟
الباحث عبد الناصر المودع يقول بأنه لم يتوفر على معلومات تفيد بحرمان الرجال أو الأزواج لنسائهم من تلقي العلاج أو إجراء العمليات الجراحية. لا توجد إحصائيات ولا توجد معلومات تشير إلى ذلك في وسائل الإعلام في اليمن.
هذا أمر مفهوم إذا نظرنا لوضعية المرأة والقضايا المتعلقة والمحرمات التي تحيط بها والتي لا يتم التطرق لما حوله من قضايا بسهولة.
أما أخصائية النساء والولادة الدكتوره أمل محمد أحمد فتقول إنها شهدت حالات يأخذ فيها الرجل زوجته منصرفا بها، لأنه غير موافق على التشخيص أو إجراء بعض الفحوصات. كما تقول إنها تعرضت لسلوك عدواني ومهين من قبل أولياء النساء لهذا السبب، رغم أنها تعمل في مستشفى خاص يملك فيه المريض كامل الحرية في أن يتلقى العلاج هناك أو الذهاب إلي أي مكان آخر.
ظاهرة
ما يحدث في اليمن، ربما يحدث في بلدان عربية أخرى كثيرة، وربما يتعامل معه الناس هناك كأمر واقع وكجزء من طبيعة الأمور. عبد الناصر لا يريد أن يتحدث عن حرمان النساء من الرعاية الطبية كظاهرة، فبحسبه لا تشكل الحالات التي ربما توجد، ما يرقى إلى درجة الظاهرة، بالنسبة للدكتورة أمل فإن مثل هذه الأشياء تحدث وقد عايشتها شخصيا، ولكن كما رأينا ليست هنالك دراسات وإحصائيات في هذا المجال يمكن من خلالها تحسس الحجم الذي توجد به.
أما الحل للإحداث التي تطفو من وقت لآخر علي السطح فلا تملك الدكتورة امل أي حل أو اقتراح لحلها، قالت ذلك بلهجة ربما تحمل الكثير في طياتها.
اخترنا لكم
آخر تحديث
السبت,23 نوفمبر 2024
الساعة 02:36
مساء
# | اسم العملة | بيع | شراء |
---|---|---|---|
دولار أمريكي | 2074.00 | 2061.50 | |
ريال سعودي | 542.00 | 540.00 |