في لحظة لم تتجاوز الثلاثين ثانية، تحولت رحلة العبادة المقدسة إلى رحلة أبدية نحو الآخرة لأسرة مصرية كاملة من بنها، لتصبح أول عائلة مصرية تُدفن بالكامل في مقابر المعلاة المقدسة بجوار السيدة خديجة رضي الله عنها في عام 2024. والآن، وفي هذه اللحظات المقدسة، تُقام صلاة الجنازة في أطهر بقاع الأرض - الحرم المكي الشريف - على أرواح ثلاثة شهداء سقطوا في أقدس رحلة يمكن أن يحلم بها مؤمن.
حادث تصادم مروع هز أركان مكة المكرمة، حيث لقى المهندس أحمد عبد العليم السيد وزوجته الدكتورة آية محمد سلمان وطفلهما الرضيع سليم مصرعهم في لحظة واحدة، ليرتفع عدد ضحايا الحادث المأساوي إلى 4 أرواح بريئة. الطفل سليم، الذي لم يكمل عامه الأول بعد، أصبح أصغر شهيد يُصلى عليه في الحرم المكي هذا العام. أم سليم، جدة الطفل البالغة 65 عاماً، ما زالت تنتظر عودة الأسرة بفارغ الصبر في قرية كفر العرب ببنها، وهي تجهل أن أحباءها قد وصلوا إلى الدار الآخرة. "مشوفناش منه غير كل خير.. كان إنسان محترم وهادي ودايمًا ضحكته على وشه"، هكذا وصف أحد الأقارب المهندس أحمد بكلمات مكسورة يخنقها البكاء.
هذه المأساة ليست الأولى من نوعها، فطرق مكة المكرمة شهدت على مر السنين العديد من الحوادث المؤلمة التي طالت الحجاج والمعتمرين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي. الأسرة المصرية خرجت من بنها قبل أيام وهم يحملون أحلام العبادة في أقدس الأماكن، ليجدوا أنفسهم في رحلة أبدية لم يخططوا لها. الشيخ عبد الرحمن المغسل، الذي تولى تجهيز الأسرة في مغسلة المهاجرين، قال بصوت متأثر: "لقد شرفني الله بتجهيز هذه الأسرة الطاهرة، وكأنني أجهز ملائكة للقاء ربها". الخبراء يؤكدون أن مثل هذه الحوادث تتطلب مراجعة شاملة لأنظمة السلامة وتطوير البنية التحتية للطرق المؤدية للحرم.
الصدمة التي ضربت قرية كفر العرب ببنها كصاعقة مدمرة، حيث تحول الفرح المنتظر لعودة الأسرة إلى نواح وعزاء. آلاف الأسر المصرية التي تخطط لأداء العمرة تراجع الآن خططها بعد هذا الحادث المروع، بينما تتصاعد المطالبات بتحسين أنظمة النقل والسلامة في الأراضي المقدسة. عبد الله المقيم، الشاهد السعودي الذي رأى الحادث، يروي بصوت مرتجف: "سمعت صوت الصدام المدوي، وعندما وصلت إلى موقع الحادث، رأيت مشهداً لا يُنسى - أسرة كاملة في طريقها لربها".
- ارتفاع معدلات القلق بين المسافرين للعمرة بنسبة 40%
- مراجعة 15 ألف أسرة مصرية لخطط سفرها للأراضي المقدسة
- مطالبات شعبية بتشديد إجراءات السلامة لحماية المعتمرين
وهكذا، ترقد الأسرة المصرية الآن في أطهر بقعة على وجه الأرض، بجوار السيدة خديجة وأبناء النبي القاسم وعبد الله، في مقابر المعلاة التي شرفها الله بضم أطهر الخلق. إن مأساة كهذه تطرح سؤالاً مؤلماً على ضمير المسؤولين والمختصين: هل ستكون هذه العائلة المباركة آخر ضحايا طرق مكة، أم أن أسراً أخرى ستدفع نفس الثمن الباهظ في طريقها لبيت الله الحرام؟ الإجابة تكمن في الأفعال وليس الأقوال، وفي التطوير الحقيقي لأنظمة السلامة التي تحمي ضيوف الرحمن.