في تطور مفصلي قد يعيد تشكيل خريطة النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، نجح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في 72 ساعة فقط في تحويل أزمة السودان المعقدة من طاولات وزراء الخارجية إلى مكتب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مباشرة. البحر الأحمر الذي يحمل يومياً ما يعادل احتياجات العالم من النفط لثلاثة أيام كاملة بات على موعد مع مصير جديد، والوقت ينفد أمام الدبلوماسية السعودية التي تلعب ورقتها الأخيرة لإنقاذ منطقة كاملة من الانهيار.
في قاعات البيت الأبيض الفخمة حيث تُرسم خرائط النفوذ الجديدة، طرح الأمير محمد بن سلمان على ترامب ضرورة التدخل الأمريكي العاجل في السودان، في لقاء تاريخي حول مصير 45 مليون سوداني ومستقبل أحد أهم الممرات البحرية في العالم. كشف عثمان ميرغني، رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية، أن "هذا التوجه يأتي رغم تعدد الوساطات السابقة دون إحراز تقدم ملموس"، مؤكداً أن ولي العهد السعودي نجح في تحويل الملف من مستوى التعامل الوزاري إلى ملف يحظى باهتمام مباشر من القيادة العليا الأمريكية.
خلف هذا التحرك الدبلوماسي الجريء تكمن استراتيجية سعودية محكمة ترى في استقرار السودان ضرورة وجودية لمشاريع رؤية 2030 الطموحة. فالموقع الاستراتيجي للسودان على البحر الأحمر يجعله شرياناً حيوياً لتجارة النفط السعودي والاستثمارات الصناعية والسياحية على الساحل الغربي. كما حذر المحلل السعودي عبد العزيز منيف بن رازن من أن "استمرار الحرب يهدد أمن الملاحة في واحد من أهم الممرات البحرية العالمية"، مشيراً إلى أن البحر الأحمر يمثل معبراً لجزء كبير من تجارة الطاقة العالمية.
لكن الرهان السعودي يتجاوز حدود الأزمة السودانية ليطرح نموذجاً جديداً للدبلوماسية الإقليمية قائماً على ما يمكن تسميته "الدبلوماسية الشبكية". هذا النهج يتيح للمملكة الاستفادة من ثقل القوى الكبرى دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة مع أي طرف إقليمي متنافس.
- خطة زمنية محددة: 3 أشهر هدنة متبوعة بـ 9 أشهر عملية سياسية
- تحويل دور السعودية من متلقٍ لتداعيات الأزمات إلى صانع توازن فيها
- بناء تحالفات مرنة تضمن النفوذ السعودي في القرن الإفريقي
بينما يترقب أحمد، التاجر السوداني من الخرطوم الذي فقد تجارته بسبب الحرب، أي بادرة أمل للسلام، تقف المنطقة على مفترق طرق تاريخي. فنجاح هذه المبادرة السعودية قد يرسخ نموذجاً جديداً لإدارة الأزمات الإقليمية، بينما فشلها قد يعيد المنطقة إلى دوامة عدم الاستقرار. الفرص الاستثمارية في مشاريع البحر الأحمر تنتظر الاستقرار، والأسهم اللوجستية تترقب نتائج هذا التحرك الدبلوماسي.
في النهاية، تمثل هذه الخطوة السعودية انتقالاً استراتيجياً من دبلوماسية الانتظار إلى دبلوماسية الصناعة، حيث تستخدم المملكة نفوذها لجذب القوى العظمى للمشاركة في حل أزمات المنطقة. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستنجح السعودية في كتابة قصة نجاح دبلوماسية جديدة تعيد تشكيل موازين القوى الإقليمية، أم أن المنطقة على موعد مع تصعيد خطير قد يهدد استقرار أحد أهم الممرات التجارية في العالم؟