في تطور صادم يضع آلاف السودانيين أمام مفترق طرق حاسم، أعلنت القنصلية السودانية في جدة إغلاق باب التسجيل نهائياً لبرنامج العودة المجانية، مع تحديد نهاية ديسمبر 2024 كموعد أقصى لاختتام آخر الرحلات إلى الوطن. الخبراء يحذرون: من فاته القطار هذه المرة قد لا يجد مقعداً آخر في المستقبل القريب، والوقت ينفد بلا رجعة.
محمد الأمين، عامل نظافة في جدة، يروي مأساته بصوت مختنق: "فاتني التسجيل بيومين فقط... يومين فقط فصلاني عن حلم العودة للوطن مجاناً." القنصلية أكدت أن "العدد المحدد من الطلبات" قد اكتمل، دون الكشف عن الرقم الدقيق للمستفيدين، بينما تتصاعد أصوات القلق في طوابير المنتظرين أمام مبنى القنصلية. د. عمر الصادق، خبير الشؤون القنصلية، يؤكد أن "الترتيبات اللوجستية تسير وفق الجدول الموضوع، لكن الضغط النفسي على المتبقين يتزايد يوماً بعد يوم."
هذا البرنامج لم يأت من فراغ، بل جاء استجابة عاجلة للظروف الإنسانية القاسية التي يعيشها السودانيون في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة وارتفاع تكاليف المعيشة. مثل هجرة المسلمين الأولى للحبشة ثم العودة المنظمة للوطن، يشهد التاريخ حركة عودة طوعية منظمة لآلاف السودانيين الذين باتوا يواجهون تحديات معيشية متزايدة في المملكة. الخبراء يربطون هذا البرنامج بسلسلة من المبادرات الإنسانية التي تعكس عمق العلاقات السودانية-السعودية، لكنهم يحذرون من أن فترات الانتظار للبرامج المستقبلية قد تمتد لأشهر طويلة.
فاطمة عبد الله، أم لثلاثة أطفال تمكنت من التسجيل في آخر يوم، تصف مشاعرها: "كان قلبي يخفق بقوة وأنا أحمل الأوراق... رائحة القهوة العربية في القنصلية مختلطة بدموع الفرح والخوف معاً." بينما يواجه المتبقون واقعاً مريراً: تكلفة تذكرة الطيران الفردية تتراوح بين 2000-3000 ريال، مبلغ قد يكون مستحيلاً للعائلات محدودة الدخل. أحمد عثمان، المسجل في البرنامج، يحذر من استغلال الوسطاء: "بعض المحتالين يبيعون تذاكر وهمية للمتبقين... الحذر واجب." التأثير يمتد للحياة اليومية: أطفال يسألون عن موعد السفر، عمال يعيدون ترتيب أولوياتهم، وعائلات تعيش على أعصابها في انتظار الرحلة الأخيرة.
مع اقتراب نهاية ديسمبر 2024، تؤكد القنصلية التزامها بتنفيذ كافة الرحلات المجدولة دون تأخير، مشددة على أن الدعم القنصلي سيستمر لكافة السودانيين المقيمين. لكن السؤال المحوري يبقى: هل ستطلق برامج جديدة في 2025، أم أن هذه نهاية فصل العودة المجانية للأبد؟ النصيحة الذهبية للمتبقين: التواصل الفوري مع القنصلية، البحث عن شبكات الدعم المجتمعي، وعدم الانسياق وراء الوعود الوهمية. الوقت أصبح أثمن من الذهب، والقرارات المصيرية لا تحتمل التأجيل.