بعد انتظار مؤلم دام 90 يوماً كاملة، وبينما كان 15,000 معلم ومعلمة في عدن يعيشون على الديون والأمل الأخير، أعلنت الجهات المختصة صباح اليوم صرف مرتبات أغسطس المتأخرة. هذا الراتب الذي تأخر لربع سنة كاملة، يأتي كنور في الظلام لآلاف العائلات التي باتت تصارع من أجل البقاء، فيما يهرع المعلمون اليوم لاستلام مستحقاتهم قبل أن يتغير القرار مرة أخرى.
أحمد المعلم، أب لأربعة أطفال، كان من أوائل الواصلين لنقطة الصرف فجر اليوم: "عشت على الديون لثلاثة أشهر، بعت حتى هاتفي لأشتري الطعام لأطفالي". وبينما تصطف طوابير طويلة من المعلمين تحت شمس عدن الحارقة، تختلط أصوات الفرح بالقلق من المستقبل. فاطمة المديرة، التي تبرعت براتبها السابق لمساعدة المعلمات المحتاجات، تراقب عملية الصرف بعيون دامعة: "أخيراً سنتمكن من إطعام أطفالنا بكرامة".
هذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها التعليم اليمني أزمة رواتب خانقة. منذ 2015، مع اندلاع الحرب، تحول صرف المرتبات إلى كابوس مستمر يشبه ما حدث في العراق بعد 2003. د. محمد الاقتصادي، خبير المالية العامة، يحذر: "هذا مؤشر إيجابي محدود، لكن الوضع الاقتصادي ينهار بسرعة السيل الجارف". فراتب المعلم اليمني اليوم، بعد التضخم الذي وصل إلى 400%، بات يساوي وجبة طعام واحدة فقط في دول الخليج.
بينما يستلم المعلمون رواتبهم اليوم، ستشهد الأسواق المحلية انتعاشاً مؤقتاً حيث ستتمكن العائلات من شراء الطعام والدواء لأول مرة منذ أشهر. سعاد المعلمة تصف اللحظة: "شاهدت زملائي يبيعون ممتلكاتهم، واليوم أراهم يبكون فرحاً". لكن الخبراء ينصحون بالادخار، فالتجربة تؤكد أن التأخيرات ستعود، وقد نشهد انتظاراً آخر لأشهر قادمة. المؤسف أن هذا الراتب، رغم الفرحة، لن يكفي لسداد الديون المتراكمة التي وصلت لمستويات خيالية.
راتب أغسطس وصل أخيراً بعد صراع طويل، لكن السؤال الأهم يبقى معلقاً في أذهان 15,000 معلم ومعلمة: متى ستُصرف مرتبات سبتمبر وأكتوبر؟ أم سننتظر ثلاثة أشهر أخرى في دوامة الجوع والديون؟ الوقت وحده سيجيب، بينما يتوجه المعلمون اليوم لاستلام أملهم الوحيد في البقاء.
