في استنفار ضخم يشبه الاستعداد لمعركة حقيقية، انتشر 7160 فرد عبر شوارع جدة مدعومين بـ1621 معدة وآلية في مشهد يفوق تعداد سكان مدينة كاملة. هذا الجيش من العمال والمعدات يخوض سباقاً مع الوقت لحماية المحافظة من تحديات الأمطار القادمة، في أكبر عملية استعداد لمواجهة الطبيعة في تاريخ المدينة.
كخلية نحل منظمة، تنتشر الفرق الميدانية عبر 11 بلدية و15 مركز إسناد، حيث تحولت شوارع جدة إلى مسرح من النشاط المكثف. المهندس سالم العتيبي، رئيس إحدى فرق الطوارئ، يقود فريقه منذ الفجر: "نعمل بدقة الساعة السويسرية، كل دقيقة محسوبة وكل معدة في مكانها المحدد". أصوات اللاسلكي تتداخل مع هدير المضخات، بينما تضيء الأنوار العاكسة الطرقات في مشهد يبعث الطمأنينة في قلوب السكان.
هذا الاستعداد الضخم يأتي كثمرة لدروس مستفادة من تجارب سابقة، حيث طورت أمانة جدة خططها استناداً لتقارير المركز الوطني للأرصاد. د. عبدالرحمن الغامدي، خبير الأرصاد، يؤكد: "التنسيق المسبق يقلل أضرار الأمطار بنسبة 80%". الاستعدادات الحالية تفوق بأضعاف تلك التي شهدتها المدينة خلال أمطار 2009 و2011، مع تعزيز شبكات التصريف وصيانة المضخات مسبقاً.
أم محمد من حي الصفا تتنفس الصعداء وهي ترى الفرق منتشرة أمام منزلها: "العام الماضي كنت أرتجف خوفاً من المياه، اليوم أشعر بالأمان". التأثير يمتد ليشمل الأنشطة التجارية والتعليمية، حيث يتوقع الخبراء استمرارية الحياة الطبيعية دون انقطاع. محمد الحارثي، سائق الأجرة، يروي: "لأول مرة أرى هذا الاستعداد المذهل، أصبحت أقود بثقة أكبر رغم توقعات المطر".
في سابقة تاريخية، نجحت جدة في تحويل تحدي الأمطار إلى نموذج للتنظيم والكفاءة. الساعات القادمة ستكشف ما إذا كان هذا الاستعداد الضخم قادراً على كتابة فصل جديد في تاريخ إدارة الأزمات بالمملكة. هل ستصمد هذه القلعة البشرية أمام تحديات الطبيعة وتحمي أحلام الملايين في عروس البحر الأحمر؟
