في مشهد يقطع الأنفاس ويدمي القلوب، مضت 150 يوماً كاملة على آخر راتب وصل إلى جيوب العسكريين والموظفين اليمنيين - 150 يوماً من الجوع المتواصل لآلاف الأسر التي كانت تحلم بلقمة عيش كريمة. في بلد يحارب من أجل الحرية، يموت المدافعون عنه من الجوع، وكل ساعة تأخير في صرف هذه الرواتب المتأخرة قد تعني فقدان حياة طفل أو مريض عاجز عن تحمل تكاليف العلاج.
تحولت بيوت العسكريين إلى مراكز معاناة حقيقية، حيث يعجز الآباء عن توفير الحد الأدنى من الطعام والدواء لأطفالهم بعد توقف صرف الرواتب لأكثر من خمسة أشهر متواصلة. أم محمد، زوجة عسكري من تعز، تروي مأساتها: "بعت مجوهراتي الوحيدة لأشتري دواء لطفلي المريض، والآن لا أملك شيئاً". الصحفي صلاح مقراط يؤكد أن الأوضاع الإنسانية بلغت مستوى خطيراً للغاية، حيث تعيش معظم الأسر على وجبة واحدة فقط في اليوم، فيما يفقد آخرون حياتهم لعجزهم عن الوصول للمستشفيات.
خلف هذه المأساة المتفاقمة، تكمن أزمة اقتصادية معقدة تراكمت عبر سنوات من عدم الاستقرار. عدم توريد الإيرادات العامة للبنك المركزي اليمني يقف كالحاجز الأكبر أمام حل هذه الأزمة، بينما يسود صمت رسمي مريب وسط تقاعس الجهات المعنية. د. أحمد، المحلل الاقتصادي اليمني، يحذر: "هذه أسوأ أزمة رواتب في تاريخ اليمن الحديث - أسوأ حتى من حصار لينينغراد الذي دام 900 يوم". الخبراء يتوقعون انهياراً اجتماعياً شاملاً إذا لم تُحل الأزمة خلال الأسابيع القادمة.
في الشوارع اليمنية، تغيّر نمط الحياة بشكل جذري ومؤلم. أبو سعد، موظف من صنعاء، يكشف الحقيقة المرة: "أطفالي ينامون جوعى، وأنا عاجز عن النظر في عيونهم". من وجبات متعددة إلى وجبة واحدة يائسة، ومن العلاج الطبيعي إلى الاستسلام للمرض - هكذا باتت تعيش آلاف الأسر. التحذيرات تتصاعد من تدهور صحي واسع، خاصة بين الأطفال والنساء، بينما يطالب مقراط القيادة السياسية بـصرف راتب شهرين على الأقل من المتأخرات، محذراً من أن أي قرارات اقتصادية إضافية ستدفع البلاد نحو كارثة إنسانية لا يمكن تداركها.
خمسة أشهر من المعاناة مضت، وآلاف الأسر معلقة بين الحياة والموت، والمطالبة بحلول عاجلة تتصاعد كل يوم. الإنقاذ العاجل أو الكارثة الإنسانية - هذان هما الخياران الوحيدان المتبقيان أمام اليمن. على القيادة التحرك فوراً، وعلى المجتمع الدولي التدخل الإنساني قبل فوات الأوان. السؤال المصيري الآن: هل ستصحو القيادة قبل أن يصبح الإنقاذ مستحيلاً، أم أن الجوع سيحصد أرواح الأبرياء قبل وصول النجدة؟