في تطور مثير للقلق، اخترقت قوة زلزالية عنيفة بلغت 6 درجات على مقياس ريختر الحدود البحرية بين تركيا واليونان، لتنطلق من عمق 75 كيلومتراً تحت الأرض - عمق يعادل ارتفاع 750 مبنى من عشرة طوابق مكدسة تحت سطح البحر - وتقطع مسافة 146 كيلومتراً عبر مياه البحر المتوسط لتصل إلى الأراضي المصرية في ثوانٍ معدودة، في مشهد يثير تساؤلات جدية حول مدى أمان المنطقة.
وفقاً لمركز رصد الزلازل الأوروبي المتوسطي، فإن هذا الزلزال الذي ضرب منطقة جزر دوديكانيز الحدودية يوم الثلاثاء، حمل في طياته قوة تدميرية تعادل انفجار 32 قنبلة ذرية من حجم هيروشيما في اللحظة ذاتها. "شعرت بالأرض تهتز تحت قدمي لثوانٍ طويلة، ظننت أن مبنى مكتبي سينهار" يروي أحمد محمود، مهندس من القاهرة كان في الطابق الثامن عندما وصلت الهزة إلى العاصمة المصرية. وعلى بُعد 22 كيلومتراً من جزيرة رودس اليونانية، شهدت النوافذ اهتزازاً عنيفاً بينما تمايلت الثريات في المنازل والمكاتب.
السبب وراء وصول هذه الهزة الأرضية عبر هذه المسافة الشاسعة يكمن في الطبيعة الجيولوجية المعقدة لمنطقة شرق البحر المتوسط، حيث تلتقي الصفيحة الأوراسية مع الصفيحة الأفريقية في نقطة تصادم جيولوجي نشط منذ ملايين السنين. هذا التقاء يجعل المنطقة الممتدة من تركيا واليونان وصولاً إلى بلاد الشام ومصر عرضة لموجات زلزالية قوية، تماماً كما حدث في زلزال العقبة عام 1995 الذي شعر به سكان القاهرة رغم المسافة الفاصلة. د. محمد الشاعر من المعهد القومي للبحوث الفلكية المصري يؤكد: "الزلازل ظاهرة طبيعية، ومصر لم تدخل حزام الزلازل، مركز الزلزال الحالي في تركيا الواقعة في منطقة نشطة زلزالياً".
بينما يطمئن الخبراء المصريون المواطنين بأن بلادهم تقع خارج الأحزمة الزلزالية الخطيرة، إلا أن وصول الهزة إلى مصر يثير تساؤلات حول مدى الاستعداد للكوارث الطبيعية في المنطقة. مريم أحمد، ربة منزل من الإسكندرية، تصف لحظة شعورها بالهزة: "كنت أغسل الأطباق عندما بدأت المياه في الحوض تتموج فجأة، ثم شعرت بدوار مفاجئ وعدم ثبات تحت قدمي". هذا الحدث يستدعي ضرورة تحضير خطط طوارئ شخصية وتعلم إجراءات السلامة الأساسية، خاصة وأن الموجات الزلزالية تنتشر بسرعة الطائرات النفاثة تحت الأرض وقد تصل إلى مناطق بعيدة دون إنذار مسبق.
رغم عدم ورود تقارير عن خسائر في الأرواح أو الممتلكات، يبقى هذا الحدث تذكيراً قوياً بأن الطبيعة لا تعرف الحدود السياسية، وأن التعاون الإقليمي في مراقبة النشاط الزلزالي ضرورة حتمية. فيما تواصل مراكز الرصد العلمية متابعة أي نشاط زلزالي لاحق، يبقى السؤال الأهم: هل نحن مستعدون حقاً لما قد تخبئه لنا الطبيعة المتقلبة في هذه المنطقة الحساسة جيولوجياً؟