فجعت بلدة القديح ومحافظة القطيف وجميع محبي المنبر الحسيني برحيل الخطيب الشاب الملا كرار العسيف، الذي غادر الدنيا في عمر مبكر يوم الأحد 7 سبتمبر 2025، تاركاً وراءه إرثاً روحانياً عميقاً رغم قصر مسيرته التي بدأت منذ نعومة أظفاره.
تميز الراحل بانطلاقته المبكرة في خدمة المنبر الحسيني، حيث بدأ رسالته الروحية في سن الثانية عشرة خلال فترة جائحة كورونا عبر منصة إنستغرام. رغم صغر سنه، استطاع كرار أن يحمل هموم الحسين في قلبه الطاهر، ليصبح صدىً حقيقياً لكربلاء بصوته العذب وكلماته المؤثرة التي لامست القلوب.

عُرف الملا كرار العسيف بأخلاقه الرفيعة وتواضعه الجم، فقد نشأ في بيت ملتزم من عائلة العسيف المعروفة في القديح بالإيمان والخلق الكريم. وخلال مسيرته القصيرة، شارك في العديد من الفعاليات الدينية، حيث قرأ زيارة وارث ودعاء كميل ودعاء التوسل مع لجنة الإمام الجواد، مخلداً معاني هذه النصوص المقدسة في ذاكرة من سمعه.
ما ميز هذا الشاب عن أقرانه هو عمق إيمانه وصدق انتمائه لأهل البيت، فبينما كان الأطفال في سنه يلهون في غفلة الطفولة، كان كرار يتدرب ليكون صوتاً رسالياً يبكي الحضور وينشر القيم النبيلة. كان يقرأ المجالس والأبيات الحسينية بصدق يفوق عمره، وكأن التاريخ قد اختاره خصيصاً ليحمل رسالة الإمام الحسين للأجيال الجديدة.

شكّل رحيل الملا كرار العسيف المفاجئ صدمة عميقة في المجتمع، وأحدث ألماً بالغاً في قلوب كل من عرفه أو استمع لصوته الهادئ وروحه المؤمنة. فقدان الشباب دائماً موجع، فكيف إذا كان الشاب خادماً مخلصاً للدين ومحبوباً بين الناس ومصدراً للخير والبركة؟

برحيل هذا الفتى الخطيب، ودّعت القديح أحد أبنائها البررة وخسرت منبراً شاباً صدح بحب أهل البيت، تاركاً في القلوب ألماً عميقاً وفي الذاكرة أثراً لا يُمحى. لقد كان رحيله بمثابة دمعة على وجنة الحسين، فهو الذي كرس حياته القصيرة لخدمة المنبر الحسيني ونشر الوعي الديني بين أبناء مجتمعه.

يبقى الملا كرار العسيف مثالاً حياً على أن العبرة ليست بطول العمر بل بصدق العمل وعمق الأثر، فرغم قصر مسيرته إلا أنه ترك بصمة واضحة في قلوب محبيه، وسيبقى صوته العذب يتردد في أذهان من عرفوه كرمز للشباب المؤمن الملتزم بقضايا دينه ومجتمعه.