في خطوة تاريخية غير مسبوقة، نجح البنك المركزي اليمني خلال الأشهر الماضية في تفجير ما وصفه الخبراء بـ"فقاعة الدولار" التي هيمنت على الأسواق اليمنية، محققاً انخفاضاً صادماً في سعر الريال السعودي من 760 ريالاً يمنياً إلى 425 ريالاً في فترة قياسية، مُنهياً بذلك حقبة من المضاربات المدمرة التي أنهكت المواطنين والاقتصاد على حد سواء.
وكشف الخبير الاقتصادي البارز مروان الظفاري أن هذا التدخل الحاسم جاء بعد مرحلة طويلة من التلاعب المضارب الذي دفع بالعملة الأجنبية إلى مستويات خيالية لا تعكس الواقع الاقتصادي الحقيقي للبلاد.
تُظهر البيانات الرسمية الصادرة عن مكاتب الصرافة المعتمدة أن سعر الريال السعودي استقر حالياً عند مستوى 425-428 ريالاً يمنياً للشراء والبيع في العاصمة المؤقتة عدن، مقارنة بذروة تجاوزت 760 ريالاً في نهاية يوليو الماضي. هذا الانخفاض الجذري بنسبة تقارب 44% يُعد إنجازاً اقتصادياً نادراً في تاريخ اليمن الحديث، خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد.
وفقاً لتحليل معمق أجراه الخبير الاقتصادي وحيد الفودعي، فإن الارتفاع المفاجئ الذي شهدته أسعار العملة الأجنبية لم يكن نتيجة لتوازنات اقتصادية طبيعية، بل كان عبارة عن "فقاعة سعرية" مصطنعة نشأت بفعل عاملين رئيسيين: المضاربات المالية المنظمة من جهات مستفيدة، وتوقف شبه كامل لتدفقات النقد الأجنبي من عائدات النفط التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الوطني.
جاء التدخل الحاسم للبنك المركزي عبر مجموعة من الإجراءات الاحترازية المدروسة، شملت تشديد الرقابة على شركات الصرافة وإغلاق المكاتب المخالفة للأنظمة. كما تضمنت الخطة تقنين التعامل بالنقد الأجنبي وتشكيل لجنة مركزية متخصصة لتنظيم عمليات الاستيراد ومراقبة تدفقات العملة الصعبة. المركزي يصادر اموال "ناهبي المواطنين" في خطوة جريئة هدفت لاستعادة السيطرة على السوق.
وصف الفودعي هذه الإجراءات بأنها "الدبوس الذي فجّر الفقاعة"، مؤكداً أن البنك المركزي نجح في إنهاء ما سماه "التعويم الحر" للعملة الذي استُغل فيه غياب الرقابة لصالح جهات مضاربة. وأشار إلى أن اعلان خطير بشأن سعر صرف العملة من قبل ما يُسمى "نقابة الصرافين الجنوبيين" كان محاولة لإحباط جهود الإصلاح.
تكشف الأرقام الراهنة الفارق الصارخ في أسعار الصرف بين المناطق المختلفة، حيث يبلغ سعر الدولار الأمريكي في صنعاء 534-536 ريالاً يمنياً، بينما يرتفع في عدن إلى 1617-1630 ريالاً. هذا التباين يعكس حالة الانقسام الاقتصادي التي تعيشها البلاد، والتي تتطلب حلولاً شاملة تتجاوز الإجراءات الآنية.
لعب النائب العام للجمهورية دوراً محورياً في دعم جهود البنك المركزي من خلال إصدار قرار يمنع الجهات الأمنية من استدعاء منتسبي القطاع المصرفي خارج القنوات الرسمية. هذا القرار جاء رداً على قرار عاجل بشأن سعر الصرف اليوم ومحاولات التشويش على عمل المؤسسة النقدية.
رغم النجاح المحقق، حذر المحللون من "الثمن الباهظ" الذي دُفع لتحقيق هذا الاستقرار. فقد تضررت شرائح واسعة من المواطنين، خاصة المغتربين اليمنيين الذين اشتروا العملة الأجنبية بأسعار مرتفعة قبل الانهيار، والأسر التي ادخرت بالعملة الصعبة، والتجار الصغار الذين تأثروا بالتقلبات الحادة.
كما أثر التصحيح السعري سلباً على الإيرادات الحكومية بالعملة المحلية نظراً لتراجع حجم المعاملات والنشاط التجاري في ظل حالة عدم اليقين التي سادت السوق خلال مرحلة الاضطراب. المركزي يصدر قراراً عاجلاً ومفاجئاً بتخفيض الحد الأقصى للحوالات الشخصية من 5000 دولار إلى 2000 دولار لضبط التدفقات.
يُعتبر السعر الحالي للريال السعودي (425-428 ريالاً يمنياً) قريباً من "السعر التوازني" من الناحية النظرية، لكن الخبراء يحذرون من هشاشة هذا التوازن وقابليته للتذبذب بسبب العوامل الموسمية كمواسم الحج والاستيراد، والضغوط البنيوية المستمرة على الاقتصاد، وتواصل توقف إيرادات النفط، والتحديات الأمنية والسياسية.
في تفصيل لافت، تناول الفودعي ما وصفه بـ"يومي النكبة" في إشارة إلى اليومين السابقين للتدخل المركزي، حيث شهد السوق انهياراً حاداً نتج عن "مضاربة عكسية" نفذتها جهات بهدف إحراج البنك المركزي وإظهاره كجهة غير قادرة على ضبط السوق. وأكد أن هذه المحاولة كانت "ذات أبعاد سياسية أكثر من كونها اقتصادية".
حذر الخبير الاقتصادي من أن أي محاولة لدفع السوق إلى مستويات أدنى من السعر الحالي ستكون "كارثية" وستُهدد الاستقرار النقدي الشامل، مشيراً إلى أن مثل هذه الخطوة ستشجع على السوق السوداء وستُفقد الثقة في القرار المركزي.
أشاد الفودعي بقرار البنك المركزي بتحويل مشتريات البنوك والصرافين خلال يومي الاضطراب إلى خزائنه مباشرة، واصفاً القرار بأنه "حكيم وشجاع" لأنه حال دون تحقيق مكاسب غير مشروعة للمضاربين. لكنه لم يُخفِ الجانب الإنساني، معتبراً أن القرار كان "مؤلماً" لكثير من المواطنين الذين اضطروا لبيع مدخراتهم بأسعار منخفضة تحت ضغط الحاجة.
يؤكد المحللون أن استقرار سعر الصرف لا يمكن أن يتحقق عبر إجراءات ترقيعية، بل يتطلب تكاتفاً حقيقياً بين الحكومة والبنك المركزي والقطاع الخاص، وإصلاحات هيكلية في إدارة الاقتصاد، وإعادة تشغيل قطاع النفط وتعزيز الشفافية في إدارة الإيرادات. كما أكدوا ضرورة رسمياً..الكشف عن جرعة سعرية قاتلة! كما كشف محافظ البنك المركزي سابقاً عن حقيقة الأوضاع الاقتصادية.
ما لم تُستأنف تدفقات النقد الأجنبي من خلال استئناف تصدير النفط أو الحصول على دعم خارجي كبير، فإن البلاد قد تسير نحو موجة جديدة من الارتفاع التدريجي في أسعار الصرف، قد تبدأ مطلع العام القادم، وفقاً لتوقعات الخبراء الاقتصاديين.