تنفرد اليمن بجوهرة طبيعية استثنائية على ساحلها الشرقي، حيث ترسم بحيرة شوران لوحة فنية متكاملة تجمع بين زرقة المياه الفيروزية الساحرة وخضرة الغطاء النباتي وسواد الصخور البركانية.
هذه التحفة الطبيعية التي تستقر فوق بركان خامد تُعد ظاهرة جيولوجية نادرة على مستوى العالم، تشهد على إبداع الطبيعة وقدرتها على صنع المعجزات في أقسى البيئات وأكثرها تناقضاً.
موقع وتكوين بحيرة شوران:
تترّبع بحيرة شوران على قمة جبل بركاني خامد يرتفع نحو 200 متر عن سطح البحر، في الجهة الشرقية من مدينة بئر علي اليمنية.
وتشير الدراسات الجيولوجية إلى أن هذا التكوين الفريد نتج عن انفجار بركاني هائل وقع في حقب جيولوجية غابرة، خلّف وراءه فوهة واسعة يصل قطرها إلى نحو كيلومتر ونصف، لتصبح فيما بعد مهداً لهذه البحيرة الساحرة.
ومما يزيد من تفرد هذه البحيرة أنها تستمد مياهها من مصادر متنوعة، فهي تتغذى من مياه الأمطار الموسمية ومن المياه الجوفية المتسربة عبر مسامات الصخور البركانية.
والأكثر إثارة للدهشة والاهتمام هو اتصالها بمياه بحر العرب من خلال برزخ صغير يسمح بتدفق مياه البحر إليها، مما يخلق توازناً بيئياً فريداً يميزها عن غيرها من البحيرات البركانية في مختلف أنحاء العالم.
المميزات البيئية والنباتية للبحيرة:
تحيط ببحيرة شوران حزام أخضر كثيف من أشجار المانجروف، المعروفة محلياً باسم "الشورى" أو "القرم"، التي تشكل نظاماً بيئياً متكاملاً يتعايش مع البيئة البركانية القاسية.
هذه الأشجار النادرة تضفي على المكان سحراً خاصاً، خصوصاً مع انعكاس ظلالها على سطح المياه الفيروزية، مما يخلق مشهداً بصرياً خلاباً يجذب أنظار الزائرين ويسر قلوبهم.
أما اللون الفيروزي المائل للزمردي الذي تتسم به مياه البحيرة، فيعزى وفقاً للخبراء إلى تفاعل كيميائي معقد بين المركبات الكبريتية المتبقية من النشاط البركاني القديم والطحالب المتنامية في أعماق البحيرة.
ليس هذا فحسب، بل تساهم أيضاً بقايا أشجار المانجروف المتحللة في إكساب المياه هذا اللون المميز الذي يتراوح بين درجات الفيروز والزمرد حسب كثافة أشعة الشمس وزاوية سقوطها على سطح الماء، مما يخلق لوحة متغيرة من الألوان الساحرة على مدار اليوم.
أساطير وحكايات حول بحيرة شوران:
كغيرها من العجائب الطبيعية النادرة، نسجت الثقافة الشعبية المحلية حول بحيرة شوران نسيجاً غنياً من الأساطير والحكايات التي تحاول تفسير هذه الظاهرة الاستثنائية.
ويتناقل السكان المحليون قصصاً تقارنها بأماكن غامضة أخرى في العالم مثل مثلث برمودا أو الكهوف الصحراوية في الجزائر، مضفين عليها هالة من الغموض والسحر.
بعض هذه الحكايات يتحدث عن قوى خفية تسكن البحيرة، بينما يفسر البعض الآخر لونها الفريد بتدخل قوى خارقة للطبيعة.
غير أن العلم الحديث يقدم تفسيراً منطقياً لهذه الظاهرة، مؤكداً أنها نتاج عمليات جيولوجية وبيئية طبيعية، وإن كانت نادرة واستثنائية.
تبقى بحيرة شوران اليمنية شاهدة على روعة الخلق وإبداع الطبيعة، بما تجسده من تناغم فريد بين عناصر متباينة.
هذا المزيج الساحر من المياه الفيروزية والصخور البركانية والغطاء النباتي النادر يجعلها كنزاً طبيعياً يستحق الحماية والتقدير.
ورغم التحديات التي تواجهها اليمن حالياً، فإن بحيرة شوران تمثل أملاً في مستقبل أفضل، حيث يمكن أن تصبح وجهة سياحية عالمية تجذب عشاق الطبيعة والعلماء والباحثين الراغبين في دراسة هذه الظاهرة الجيولوجية الفريدة.



