على أرصفة الانتظار في فنادق عمّان، تتجسد قصص إنسانية مؤلمة لمواطنين يمنيين وجدوا أنفسهم فجأة بلا خيارات للعودة إلى وطنهم.
بنظرات قلقة تتابع الأخبار وقلوب معلقة بين الأمل واليأس، يعيش أكثر من 70 مسافراً يمنياً مصيراً مجهولاً بعد خروج مطار صنعاء عن الخدمة نتيجة الغارات الإسرائيلية التي استهدفت طائرات الخطوط الجوية اليمنية.
الوضع الحاضر للعالقين
في إحدى ردهات فندق بالعاصمة الأردنية، يجلس محمد عبدالحكيم مستنداً على حقيبته بنظرات حائرة وقلب مثقل بالقلق. هذا الرجل البالغ من العمر 56 عاماً، والذي يعاني من مشكلات صحية في القلب، كان قد وصل إلى الأردن لإجراء فحوصات طبية ضرورية وكان على وشك العودة إلى صنعاء حين فوجئ بأن الطائرة التي كانت ستقله قد دُمرت.
وأصبح محمد الآن في وضع مأساوي، فهو لا يملك المزيد من المال، ولا يحمل إقامة أردنية، وقد أبلغته إدارة الفندق بضرورة المغادرة.
وليس محمد وحده من يواجه هذا المصير، فهناك العشرات غيره ممن تقطعت بهم السبل، بينهم نساء وأطفال ومرضى وطلاب.
كما يشير ناصر الجلال، طالب الدراسات العليا في إحدى الجامعات الأردنية، الذي كان يخطط للسفر لقضاء العيد مع والدته بعد غياب دام ثلاث سنوات: "الآن لا طائرة، ولا أمل، ولا حتى اتصال من السفارة".
الضربة الجوية وتأثيرها
فجر الثلاثاء الماضي، شنت مقاتلات إسرائيلية غارات استهدفت مطار صنعاء الدولي، مما أدى إلى تدمير ثلاث طائرات تابعة للخطوط الجوية اليمنية.
ووفقاً للتقارير، جاءت هذه الغارات رداً على إطلاق صاروخ باليستي من اليمن سقط بالقرب من مطار "بن غوريون" في تل أبيب، وهو الهجوم الذي أعلنت جماعة الحوثي مسؤوليتها عنه في إطار ما اعتبرته دعماً للفلسطينيين في غزة.
وأوضح أحد العاملين في الخطوط الجوية اليمنية أن الشركة فقدت ثلاث طائرات كانت لا تزال صالحة للطيران، ولم يتبق سوى طائرتين خارج اليمن، واحدة في جيبوتي والأخرى في القاهرة.
ومع تدمير هذه الطائرات، انخفضت قدرة الناقل الوطني اليمني على تأمين الرحلات بنسبة تزيد عن 40%، مما أعاد ملف "حظر الطيران" إلى الواجهة بعد سنوات من الجهود الأممية لفتح مطار صنعاء أمام الحالات الإنسانية والمرضى.
التبعات المستقبلية:
يزداد الوضع تعقيداً مع مرور الوقت، خصوصاً أن إقامات الكثير من العالقين قاربت على الانتهاء، فيما لم تعلن الحكومة الأردنية موقفاً رسمياً بشأن تمديد الإقامات أو السماح لهم بالبقاء مؤقتاً.
كما أن غياب مطار صنعاء وانقطاع الرحلات إلى عدن بسبب التدهور الأمني يجعل خيارات العودة إلى اليمن محدودة للغاية، وتتطلب المرور عبر دول ثالثة بتكاليف باهظة وإجراءات أمنية معقدة.
وفي موازاة ذلك، تلفت مصادر مطلعة إلى غياب أي بيان رسمي من الحكومة اليمنية حول مصير هؤلاء العالقين، وعدم الإعلان عن خطة طوارئ لإجلائهم، مما يكشف حجم الإهمال الذي يواجهه المواطن اليمني، سواء في الداخل أو الخارج.
يبقى المواطن اليمني هو الضحية الأكبر لصراعات لا يد له فيها، محصوراً بين سماء مغلقة وحدود موصدة.
كما يلخص راجح الأحمدي، المسن اليمني العالق في عمّان، حالة المأساة بقوله: "ما طلبناش علاج مجاني، ولا طيارة خاصة... بس نرجع بيتنا، نموت هناك، أحسن من نموت في صالة انتظار."
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ