يترقب السعوديون موعداً هاماً يفصلهم عنه 72 يوماً فقط، حين تنتقل أسواق المواشي في المملكة من نظام البيع التقليدي القائم على التقدير البصري إلى نظام البيع بالوزن.
هذا التحول الجذري الذي سيدخل حيز التنفيذ في غرة محرم 1447هـ، يمثل نقلة نوعية في تنظيم واحدة من أكبر أسواق المواشي بالمنطقة، حيث تستورد المملكة وحدها أكثر من 4 ملايين رأس سنوياً إضافةً للإنتاج المحلي.
ووسط آمال معلقة على هذا القرار الهادف لإنهاء فوضى الأسعار والتلاعب الذي طالما عانى منه المستهلكون، تبرز تساؤلات حول كيفية تطبيق هذه الآلية الجديدة وتأثيراتها المرتقبة على سوق ظل لعقود يعتمد على المساومة والتقديرات الشخصية.
أهمية القرار للسوق المحلي:
يأتي قرار بيع المواشي بالوزن كخطوة حاسمة لمكافحة ظاهرة التلاعب بالأسعار التي استشرت في أسواق المواشي السعودية.
فقد كشف مواطنون أن الطريقة التقليدية المعتمدة على التقدير البصري فتحت المجال واسعاً أمام ما وصفوه بـ"سماسرة الطرق" الذين اعتادوا الاصطفاف على مسافات من الأسواق للاستحواذ عليها ثم رفع الأسعار لاحقاً.
وتشير التقديرات إلى أن هذه الممارسات تسببت في قفزات سعرية غير مبررة وصلت في بعض أنواع المواشي إلى أكثر من ألفي ريال، مما شكل عبئاً إضافياً على المستهلكين خاصة خلال مواسم ارتفاع الطلب كالأعياد.
وتبرز أهمية القرار أيضاً في تأسيس معيار موحد وعادل للتسعير في سوق يُعد من أكبر الأسواق في المنطقة.
وقد أوضح المهندس محمد العبد اللطيف، وكيل الوزارة المساعد للمنشآت والخدمات الزراعية المساندة، أن الوزارة وضعت آليات منظمة لضمان تطبيق معايير تكفل تداول المواشي وبيعها بطريقة عادلة، مشيراً إلى أن هذا الإجراء سينعكس إيجاباً على قطاع الثروة الحيوانية في المملكة.
ومن المتوقع أن يمنح القرار المستهلك خيارات متنوعة ويحميه من الغبن، بينما يخلق فرصة للمنتجين المحليين والتجار للعمل في بيئة أكثر تنظيماً وشفافية.
تجارب دولية مشابهة
تسير المملكة على خطى عدد من الدول التي سبقتها في تطبيق نظام بيع المواشي بالوزن، والذي أثبت فعاليته في تحقيق قدر أكبر من العدالة في تجارة المواشي.
وتعتمد العديد من أسواق المواشي العالمية هذا النظام كمعيار أساسي للتسعير، حيث يتيح ذلك تسعيراً أكثر دقة يعكس القيمة الحقيقية للماشية بناءً على وزنها الفعلي وليس على تقديرات قد تكون مضللة.
هذا النهج يمنح الثقة للمشترين ويضمن حقوق البائعين، ويحد من الممارسات الاحتكارية التي تؤدي إلى تضخم الأسعار.
وتؤكد وزارة البيئة والمياه والزراعة أن القرار يأتي بعد دراسة متأنية للتجارب الدولية الناجحة في هذا المجال.
وتستورد المملكة المواشي من دول متعددة تشمل السودان والصومال وجيبوتي وجنوب إفريقيا وجورجيا ورومانيا وإسبانيا وكولومبيا وبلغاريا وأستراليا والبرازيل، إضافة إلى دول الخليج والأردن.
وغالبية هذه الدول تعتمد نظام البيع بالوزن في أسواقها المحلية، مما يعني أن المملكة تنتقل إلى معيار عالمي معترف به، وهو ما سيسهل عمليات التجارة الدولية ويقلل من تفاوت الأسعار بين سوق الاستيراد وأسواق البيع المحلية.
التأثير المتوقع على الاقتصاد المحلي:
يحمل القرار آمالاً كبيرة بإحداث تأثير إيجابي على الاقتصاد المحلي، خاصة في قطاع الثروة الحيوانية الذي تقدر الفرص الاستثمارية فيه بأكثر من 20 مليار ريال حتى عام 2030م.
فمن المتوقع أن يؤدي تطبيق البيع بالوزن إلى استقرار الأسعار وتعزيز الشفافية، مما يشجع الاستثمار في هذا القطاع الحيوي.
وبدوره، قد يحفز ذلك المنتجين المحليين على زيادة إنتاجهم لتغطية جزء أكبر من احتياجات السوق، وتقليل الاعتماد على الاستيراد الذي يصل حالياً إلى أكثر من 4 ملايين رأس سنوياً.
ومن جانبها، تسعى الوزارة من خلال هذه الخطوة إلى تنظيم سوق المواشي وجعله أكثر جاذبية للمستثمرين.
وقد سبق أن اتخذت الوزارة إجراءات لتخفيف الأعباء على التجار، منها قرار مجلس الوزراء بتحمل الدولة للضرائب والرسوم الجمركية على إرساليات المواشي الحية خلال فترة محددة قبل موسم الحج.
وستعمل آلية البيع بالوزن على تحقيق توازن أفضل بين العرض والطلب، كما ستمهد الطريق أمام تطوير معايير الجودة وتحسين سلالات المواشي المحلية، الأمر الذي سيكون له مردود إيجابي على الاقتصاد المحلي ككل.
تبقى الآمال معلقة على تطبيق هذا القرار الذي ينتظره السعوديون بعد 72 يوماً فقط.
كونه يمثل نقلة نوعية نحو سوق أكثر عدالة وشفافية، يستفيد منها المستهلك والتاجر على حد سواء.
وبينما تترقب الأسواق التفاصيل الكاملة لآلية التنفيذ، تبدو الصورة واضحة: عصر جديد من العدالة السعرية يلوح في الأفق، مع وعود بالقضاء على ممارسات التلاعب والاحتكار التي أرهقت المستهلكين لسنوات.
وفي النهاية، سيكون الميزان هو الفيصل، ليس فقط في تحديد وزن الماشية، بل في تحقيق التوازن المنشود بين مصالح جميع أطراف السوق.