الرئيسية / شؤون محلية / حظر استيراد ومنع الدقيق الأبيض من دخول صنعاء وشمال اليمن: أزمة غذاء جديدة تلوح في الأفق على أبواب رمضان
حظر استيراد ومنع الدقيق الأبيض من دخول صنعاء وشمال اليمن: أزمة غذاء جديدة تلوح في الأفق على أبواب رمضان

حظر استيراد ومنع الدقيق الأبيض من دخول صنعاء وشمال اليمن: أزمة غذاء جديدة تلوح في الأفق على أبواب رمضان

نشر: verified icon أمجد الحبيشي 23 فبراير 2025 الساعة 06:10 صباحاً

في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، قررت حكومة صنعاء التي تسيطر عليها جماعة الحوثي حظر استيراد الدقيق الأبيض عبر موانئ الحديدة منذ نهاية نوفمبر الماضي.

القرار، الذي تم تبريره تحت شعار "توطين الصناعة المحلية"، أثار تساؤلات حول تأثيره على الاقتصاد الوطني والمعيشة اليومية للمواطنين، خاصة في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعاني منها اليمن.

ويأتي القرار في وقت حساس، حيث يعتمد ملايين اليمنيين على المساعدات الغذائية، وتتصدر واردات القمح قائمة الاحتياجات الأساسية في البلاد، خصوصاً ونحن على بعد أيام قليلة من شهر رمضان المبارك.

وبينما تدافع السلطات في صنعاء عن القرار كخطوة لدعم الإنتاج المحلي، تتزايد المخاوف من تأثيره السلبي على الأسعار وتوافر السلع الغذائية، مما يضع المجتمع اليمني أمام تحديات جديدة.

أسباب ودوافع قرار الحظر

بحسب تصريحات مسؤولي حكومة صنعاء، يهدف قرار حظر استيراد الدقيق الأبيض إلى تقليل الاعتماد على الواردات الأجنبية وتعزيز الإنتاج المحلي.

مدير الإعلام بالغرفة التجارية في صنعاء، أحمد الطيار، أشار إلى أن اليمن كانت تعتمد على طحن القمح محليًا قبل عام 2015، وأن استيراد الدقيق الأبيض بدأ مع تدخل المنظمات الدولية لتوزيعه ضمن المساعدات الإنسانية. هذا التدخل، وفقًا للطيار، أثر سلبًا على المطاحن المحلية التي عانت من ضعف الإنتاج بسبب نقص المشتقات النفطية وارتفاع تكاليف النقل.

من جهة أخرى، يعتبر القرار محاولة لتوفير العملة الأجنبية التي كانت تُنفق على استيراد الدقيق، حيث تصل فاتورة الاستيراد السنوية إلى 150 مليون دولار. كما تسعى السلطات إلى تحسين كفاءة ميناء الحديدة الذي يعاني من نقص في المعدات اللازمة لتفريغ السفن، مما يرفع تكاليف الاستيراد ويؤدي إلى تأخير وصول السلع.

بالإضافة إلى ذلك، يرى بعض الخبراء أن القرار يعكس توجهًا عالميًا نحو استخدام الطاقة النظيفة، حيث أصبحت المطاحن المحلية تعتمد بشكل متزايد على الطاقة الشمسية، مما يقلل تكاليف الإنتاج ويزيد من قدرتها على تلبية الطلب المحلي. ومع ذلك، يشترط نجاح هذه الخطوة وجود دعم حقيقي للمزارعين وتوسيع زراعة القمح والحبوب في البلاد.

التحديات والمخاوف المرتبطة بالقرار

رغم التبريرات التي قدمتها حكومة صنعاء، يواجه قرار حظر استيراد الدقيق الأبيض تحديات كبيرة قد تؤثر على استقراره. منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) حذرت من أن القرار قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الدقيق على المدى القصير، خاصة في ظل عدم وجود فترة انتقالية كافية لتكييف السوق مع الوضع الجديد. كما أشارت إلى أن انخفاض القدرة المحلية على الطحن واحتكار السوق يزيد من المخاطر المحتملة.

من جهة أخرى، يثير القرار قلقًا لدى المواطنين من احتمال استغلاله لاحتكار السوق من قبل جماعة الحوثي، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير. أحد المواطنين في صنعاء عبّر عن مخاوفه قائلاً: "لا ينبغي الاطمئنان كليًا لهذا القرار، فقد تستخدمه الجماعة كوسيلة لزيادة الأرباح على حساب المستهلكين."

التحديات اللوجستية تُضاف إلى قائمة المخاوف، حيث يُتوقع أن يؤدي الحظر إلى زيادة تكاليف النقل بسبب استيراد الدقيق عبر ميناء عدن. التكاليف الإضافية الناتجة عن ازدواجية الضرائب ووجود نقاط أمنية على الطرق ستنعكس في النهاية على المستهلكين، مما يزيد من العبء الاقتصادي على الأسر اليمنية.

كما يتزامن القرار مع اقتراب شهر رمضان، الذي يشهد عادة زيادة في الطلب على المواد الغذائية. هذا التوقيت يزيد من احتمالية حدوث تضخم في الأسعار، مما قد يؤثر سلبًا على قدرة الأسر ذات الدخل المحدود على تأمين احتياجاتها الأساسية.

الآثار الاقتصادية والاجتماعية المتوقعة

على الصعيد الاقتصادي، يُتوقع أن يسهم القرار في تقليل فاتورة الاستيراد وزيادة الاعتماد على الإنتاج المحلي. الغرفة التجارية في صنعاء أكدت أن المطاحن المحلية قادرة حاليًا على تغطية 90% من احتياجات السوق، مع وجود خطط لتوسيع الطاقة الإنتاجية بإضافة مطاحن جديدة. هذا التوسع قد يوفر فرص عمل جديدة ويعزز الاقتصاد الوطني.

ومع ذلك، يظل الإنتاج المحلي للقمح في اليمن ضعيفًا، حيث يغطي فقط 6% من الاستهلاك المحلي. هذا النقص يجعل البلاد تعتمد بشكل كبير على الواردات، مما يضعف قدرتها على تحقيق الاكتفاء الذاتي. لتحقيق النجاح، يتطلب القرار دعمًا حكوميًا لتوسيع زراعة الحبوب وتحسين تقنيات الإنتاج.

من الناحية الاجتماعية، قد يؤدي القرار إلى تحسين جودة الدقيق المتوفر في الأسواق، حيث تشير تقارير إلى أن الدقيق الأبيض المستورد يحمل مخاطر صحية. ومع ذلك، فإن أي زيادة في الأسعار قد تؤدي إلى تفاقم معاناة الأسر اليمنية التي تعاني بالفعل من ارتفاع معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائي.

على المدى البعيد، قد يكون للقرار تأثير إيجابي إذا تم تنفيذه بشكل مدروس وبدعم من المجتمع الدولي. توفير البنية التحتية اللازمة وتعزيز الشراكة مع المزارعين المحليين يمكن أن يسهم في تحقيق أهداف القرار دون الإضرار بالمستهلكين.

في المقابل، إذا لم يتم التعامل مع التحديات الحالية بشكل فعال، فقد يؤدي القرار إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد. منظمة الفاو وغيرها من الجهات الدولية دعت إلى ضرورة توفير فترة انتقالية كافية لضمان استقرار السوق وتقليل الآثار السلبية على الفئات الأكثر ضعفًا.

تظل المخاوف من الاحتكار وارتفاع الأسعار قائمة، مما يتطلب رقابة صارمة وضمانات بعدم استغلال القرار لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المواطنين. التوازن بين دعم الاقتصاد الوطني وحماية المستهلكين سيكون التحدي الأكبر أمام السلطات في صنعاء.

في ظل هذه التحديات، يبقى السؤال: هل ستتمكن حكومة صنعاء من تحقيق أهدافها دون الإضرار بملايين اليمنيين الذين يعتمدون على الدقيق كسلعة أساسية؟ الإجابة تعتمد على قدرة السلطات على تنفيذ القرار بشكل عادل وشفاف.

تلخص هذه القضية التحديات التي تواجهها اليمن في ظل الأوضاع الاقتصادية والإنسانية الصعبة، وتبرز الحاجة إلى حلول شاملة ومستدامة لتحقيق الاستقرار والتنمية.

شارك الخبر