أثارت التعديلات الجديدة التي أدخلتها دولة الإمارات العربية المتحدة على قانون الأحوال الشخصية، وقانون المعاملات المدنية، وقانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية، جدلًا واسعًا حول أهميتها بالنسبة للدولة.
واعتمد رئيس الإمارات خليفة بن زايد آل نهيان، السبت الماضي، تعديل بعض أحكام هذه القوانين في إطار الجهود لتطوير البيئة التشريعية في دولة الإمارات وضمان توافقها مع تعددية الثقافات".
وقال مراقبون إن "التعديلات الجديدة لا يمكن تحليلها بمعزل عن التوجه التشريعي التي اتخذته الدولة في الفترة الأخيرة"، مؤكدين أنها "تؤسس لمرحلة جديدة من التسامح والتعايش ومبدأ التعددية الثقافية وتقبل الآخر".
تعديلات جديدة ونقلت وكالة "وام" الرسمية أن التعديلات تتيح المجال لغير المواطنين "لاختيار القوانين التي تطبق على تصرفاتهم في شؤون الميراث والتركات، وذلك لتحقيق استقرار المصالح المالية للمستثمرين الأجانب في الدولة"، و"تعزيز ضمان الحريات الشخصية ودعم منظومة الأمن المجتمعي دون الإخلال بالثوابت والمكتسبات المجتمعية لدولة الإمارات العربية المتحدة". وذكرت: "تأكيدا على التزام الدولة بحماية حقوق المرأة وتعزيزا لمبدأ سيادة القانون، تم إلغاء المادة التي تمنح العذر المخفف في ما يسمى بجرائم الشرف بحيث تعامل جرائم القتل وفقا للنصوص المعمول بها في قانون العقوبات".
وتشمل "جرائم الشرف" قتل النساء اللاتي يخالفن قواعد السلوك الجنسي المحافظة، وهي قضية تثير انتقادات واسعة من قبل جماعات حقوق الإنسان. وشددت التعديلات كذلك العقوبات في مسألة التحرش وحددت الإعدام عقوبة "اغتصاب قاصر"، بينما ألغت تجريم الانتحار ومحاولة الانتحار.
كما تشمل الإجراءات الجديدة إلغاء أي عقوبات على تناول المشروبات الكحولية علما أن قوانين تناول الكحول تختلف من إمارة إلى أخرى في الدولة.
كما اعتمد الرئيس الإماراتي مادة تسمح لأول مرة بإقامة الأزواج غير المتزوجين معا، بعدما كانت هذه المسألة ممنوعة بموجب القانون الإماراتي.
تعزيز مبدأ المساواة حبيب الملا، القانوني الإماراتي، والرئيس التنفيذي لمكتب "بيكر ماكنزي-حبيب الملا" للمحاماة، قال إن "لا يمكن النظر إلى التعديلات القانونية الأخيرة على قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات الاتحادي، بمعزل عن التوجه التشريعي التي اتخذته الدولة في الفترة الأخيرة".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "التعديلات جاءت انعكاسا حقيقيًا للتوجه الاجتماعي والثقافي والفكري والسياسي الذي اتخذته الدولة، حيث تبنت الإمارات مبدأ التسامح والتعايش والتعددية الثقافية وتقبل الآخر واحتضان جميع الجنيسيات الموجودة على أرضها، والسماح لهم بالعيش في حرية وفق تقاليدهم وثقافاتهم، بما لا يخالف المبادئ العامة للدولة". تفاصيل قانون إلغاء جرم شرب الكحول في الإمارات وتعديلات الزواج والطلاق وتابع: "في هذا الإطار من الطبيعي أن تأتي مثل هذه القوانين، لتكمل سلسلة التشريعات التي صدرت مؤخرًا فيما يتعلق بالإقامة طويلة الأجل، وعن طريق التقاعد، وتعديل قوانين اكتساب الجنسية، ومن المتوقع أن يكون هناك سلسلة من القوانين ترسخ لمبدأ التعايش والتسامح وتقبل الآخر في الدولة". وأشار إلى أن "إقرار مبدأ حرية غير المواطنين للاحتكام إلى القوانين، التي تطبق على تصرفاتهم في شؤون الميراث والتركات من شأنه أن يحقق استقرار المصالح المالية للمستثمرين الأجانب ويعزز من جاذبية الإمارات في استقطاب هؤلاء المستثمرين وتوطين أموالهم فيها". واستطرد: "قانون المعاملات المدنية الإماراتى الصادر عام 1985 كان قد أقر مبدأ الاحتكام إلى الجنسية في المسائل المتعلقة بالحالة المدنية للأشخاص وأهليتهم وذلك في المواد من 10 إلى 17. وكانت المحاكم تطبق هذا المبدأ فجاءت التعديلات الاخيرة لتؤكد هذا الحق وتشدد عليه، وهذا ما ينص عليه أيضا قانون الأحوال الشخصية الإماراتي فقد نصت المادة الأولي من القانون على أنه تسري أحكامه على مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة ما لم يكن لغير المسلمين منهم أحكام خاصة بطائفتهم وملتهم، كما لا تسري أحكامة على غير المواطنين إذا تمسك أحدهم بتطبيق قانونه".
وأنهى حديثه قائلًا: "هذه التعديلات تعكس التوجه الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، الذي تبنته دولة الإمارات وتهدف إلى ترسيخ التزام دولة الإمارات بتوفير بيئة تشريعية تتوافق مع تعددية الثقافات، والالتزام ببناء بيئة اجتماعية واقتصادية تنافسية وآمنة".
احتواء إماراتي من جانبه قال الخبير القانوني والمحامي الإماراتي، إبراهيم الحوسني، إن "الإمارات دولة متطورة وسريعة جدًا وتضم أعداد كبيرة من الجنسيات المختلفة التي تتخطى الـ 200 جنسية، وتحتاج إلى قوانين تتناغم معهم وتشملهم".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "الإمارات منذ نشأتها تعيش فيها الجنسيات المختلفة في أمن وسلام وتعايش دون التفريق بينهم وبين المواطنين، وبالتالي تحتاج الدولة إلى تطوير قوانينها لتستوعب كل هذه الجنيسات المختلف ثقافتها وعاداتها وتقاليدها".
وتابع: "أصبح لزامًا على الدولة تطوير وتعديل قوانينها وتشريعاتها بين فترة وأخرى وبشكل متسارع لمواكبة هذا المحتوى الصعب من التعددية في الجنيسات التي تعيش بالدولة". وعن أسباب إثارة التعديلات لضجة كبيرة، قال: "بسبب عدم وضوح المواد التي تم تعديلها، وعدم نشر نصوصها بشكل كامل، ما نشر كان مجرد أخبار".
وأكد أن "القوانين الخاصة بالشرف ليس لها أي تأثير، وكذلك قانون توزيع الميراث حيث لا يرغب غير المسلمين التوزيع على أساس الشريعة الإسلامية التي تتقيد بها المحاكم، لكن المسلمون سيتقيدون بها".
واستطرد: "أما فيما يخص قوانين إتاحة الخمور والمساكنة لم يصدر عنها أي تفصيلات إلى الآن، ومن الواجب انتظار خروج النصوص كاملة ونشرها في الجريدة الرسمية للتعقيب عليها ومعرفة دوافعها".