أثار الإعلان الرسمي لوزارة الدفاع الأميركية، عن إرسال وحدة من قوات «المارينز» مكونة من 50 جندياً إلى اليمن لحماية السفارة الأميركية في صنعاء، في أعقاب اقتحام محتجين يمنيين غاضبين مبنى السفارة، في 13 أيلول (سبتمبر) احتجاجاً على الفيلم الأميركي المسيء للرسول وللإسلام، موجة عنيفة من الانتقادات الموجهة للرئيس اليمني وحكومته للسماح رسمياً بهذا التواجد، الذي أعتبر انتهاكاً جديداً للسيادة اليمنية، وفي الوقت ذاته منح تنظيم «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب»، مبرراً جديداً «لاستقطاب المزيد من المجاهدين الشباب».
وقالت مصادر يمنية متطابقة إن جنود «المارينز» وصلوا إلى صنعاء لتأمين السفارة الأميركية في يوم الاقتحام الذي تعرضت له، وكشفت صحيفة يمنية إن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي سمح لدفعة جديدة من القوات الأميركية بالدخول إلى اليمن بعد وصولها إلى ميناء الحديدة على البحر الأحمر (غرب اليمن)، وأكدت يومية «الأولى» المستقلة، إن نحو 200 قطعة وآلية، بينها عربات مدرعة، وصلت إلى ميناء الحديدة وتنتظر الإذن من وزارتي الدفاع والداخلية اليمنيتين للتوجه نحو العاصمة صنعاء.
واعترف مصدر رفيع في الحكومة اليمنية بوجود جنود من «المارينز» في اليمن، وقال في تصريح بثته وكالة الأنباء اليمنية «سبأ»، إنها «حالة استثنائية موقتة ومهمتها محصورة في حماية الموظفين داخل السفارة وبمجرد انضباط الحالة الأمنية في البلاد ستغادر تلك الوحدة فوراً»، وأوضح المصدر اليمني «أن بداية تواجد أفراد من قوات مشاة البحرية «المارينز» لحماية موظفي السفارة يرجع إلى عهد النظام السابق، وتم تعزيزهم مؤخراً بما لا يزيد عن 50 جندياً، بعد دخول محتجين إلى محيط السفارة وقيامهم بأعمال شغب وتخريب».
خيارات صعبة
وبرر المصدر هذا التواجد بأن الخيارات التي كانت مطروحة أمام السلطات الرسمية عقب حادثة اقتحام السفارة خيارات صعبة من ضمنها إغلاق السفارة «الأمر الذي كان سيشكل أضراراً بالغة بالمصالح الوطنية، وجعل اليمن يعيش في عزلة»، مشيراً إلى أن الخيار الأقل ضرراً كان «قبول هذه الوحدة الصغيرة من المارينز بشكل موقت»، ونفى المصدر وصول 200 مدرعة عسكرية تابعة لقوات «المارينز» الأميركية إلى صنعاء، غير أنه عاد وقال إن «السيارات التي دخلت هي سيارات شخصية تابعة لموظفي السفارة وتقدر بحوالى 20 سيارة مدرعة، وهي بديلة عن بعض السيارات التي تم إتلافها أثناء اقتحام محتجين مبنى السفارة».
الحديث حول وجود قوات من «المارينز» في اليمن، لم يكن وليد اللحظة الراهنة، ولكنه مطروح منذ سنوات عدة، وتؤكد مصادر عسكرية يمنية إن أكثر من 200 جندي من قوات «المارينز» كانوا متواجدين في قاعدة العند الجوية الواقعة على مشارف مدينة عدن كبرى مدن (جنوب اليمن)، وأنهم كانوا يتولون مهمة تدريب قوات مكافحة الإرهاب اليمنية، إضافة إلى اشتراكهم في التخطيط للعمليات العسكرية التي يشنها الجيش اليمني على مناطق تمركز مسلحي تنظيم القاعدة في محافظة أبين (جنوب البلاد)، إلى جانب اشتراكهم مع قوات مكافحة الإرهاب في تنفيذ بعض العمليات النوعية ضد عناصر «القاعدة».
وكان مسلحون مجهولون يعتقد أنهم من عناصر تنظيم «القاعدة»، هاجموا منتصف أيار (مايو) الماضي بالأسلحة الرشاشة مبنى تابعاً لقاعدة العند العسكرية ينزل فيه جنود «المارينز»، وأطلق المسلحون النار من أسلحة رشاشة على المبنى من خارج أسوار الموقع العسكري دون أن يسفر الحادث عن إصابات، كما بث تنظيم «القاعدة» على عدد من المواقع الجهادية المرتبطة بالتنظيم على شبكة الإنترنت، صوراً لجنود من «المارينز» يقومون بتدريب قوات يمنية على ساحل أبين الممتد بين محافظتي عدن وأبين، وصوراً أخرى لجنود أميركيين آخرين يتواجدون في فندق شيراتون بصنعاء أثناء التدريب الصباحي. وهو ما أكده وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي، الذي قال إن قوات جديدة تابعة لـ «المارينز» الأميركي متواجدة في فندق شيراتون بصنعاء المطل على السفارة من جهة الشرق، لتوفير الحماية للسفارة الأميركية من أية مخاطر قد يشكلها تنظيم «القاعدة» في اليمن، بخاصة في أعقاب التهديدات التي أطلقها التنظيم مطلع آذار (مارس) الماضي، وقال فيها إنه يخطـــط لاستـــهداف عدد من السفارات الغربية، وأوضح الوزير القربي في تصريحات صحافية أن اليمن أصبح ساحة للاستــقطاب الخارجي بسبب الخلافات الإقليمية والداخلية، وقال «لا يمكن أن تكون اليمن بعيدة عن نظر المنطقة والعالم لأنها تعتبر مصدر تحول وتهديد لمصالحها».
وكشفت مصادر أمنية يمنية لـ «الحياة»، إن فندق شيراتون مفرّغ تماماً لقوات «المارينز» الأميركية منذ تموز (يونيو) من العام 2011، وأن الفندق لا يستقبل أي نزلاء منذ ذلك التاريخ، وأشارت المصادر إلى أن هذه القوات يتم تغييرها بين حين وآخر، وإضافة إلى قوات الحماية الأمنية، توجد حسب المصادر فرق أخرى تابعة لأجهزة الاستخبارات الأميركية، وأكدت المصادر الأمنية أن السفير الأميركي في صنعاء جيرالد فايرستاين وطاقم السفارة كانوا يتواجدون في فندق شيراتون، عندما اقتحم المحتجون على الفيلم المسيء للرسول مبنى السفارة.
مكافحة الارهاب
كما سبق وسمح الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح للإدارة الأميركية بفتح أربعة مراكز لمكافحة الإرهاب في محافظات مأرب وشبوة وأبين وحضرموت، وهي المحافظات التي يتزايد فيها نشاط تنظيم «القاعدة» في اليمن، وحسب مصادر سياسية يمنية فإن إدارة هذه المراكز إدارة أميركية بحتة، ولا يحق للسلطات اليمنية المشاركة في إدارتها أو تزويدها بعناصر يمنية، غير أن الاتفاق اليمني الأميركي على إنشاء هذه المراكز سمح لها بالاستعانة بدعم القوات اليمنية المتخصصة في مكافحة الإرهاب في حال احتاجت لذلك.
وأعلن مجلس النواب اليمني رفضه القاطع لأي وجود عسكري أجنبي، وطالب برحيل وحدة «المارينز» التي وصلت إلى اليمن مؤخراً، ودان في الوقت ذاته الإساءات التي نقلها الفيلم الأميركي للرسول الكريم، مطالباً الولايات المتحدة الأميركية بـ «الاعتذار الرسمي للمسلمين، ومعاقبة كل من ساهم في إنتاج هذا الفيلم»، وأكد مجلس النواب اليمني، فــي بيان له عــــدم قبوله بأي «تواجـــد أجنبي (قوات عسـكرية) على أراضي الجمهورية اليمنية سواء كان صغيراً أو كبيراً، تحــت أية ذريعة»، وطالب برحيل وحدة «المارينز» التي وصلت اليمن، وشدد على دور الحكومة اليمنية في القيام بواجبها لحماية السفارات وتأمين حياة السفراء والديبلوماسيين.
وعبرت مختلف الأوساط السياسية والاجتماعية اليمنية عن رفضها الشديد للوجود العسكري الأميركي في اليمن، كما أعلنت رفضها عمليات التجسس التي تقوم بها طائرات أميركية من دون طيار، والتي تشاهد منذ أكثر من عامين وهي تحلق في سماء العديد من المحافظات اليمنية التي يتواجد فيها مسلحو تنظيم «القاعدة»، بل وأصبحت المهمات التجسسية لهذه الطائرات وغاراتها الجوية، مصدراً لغضب المواطنين اليمنيين في المناطق التي تستهدفها الغارات الأميركية على السلطات المركزية، ودافعاً للتعاطف مع تنظيم «القاعدة»، الذي يستغل مشاعر الناس خصوصاً الشباب لاستقطابهم لصفوف التنظيم، بخاصة مع استمرار سقوط الضحايا من المدنيين في هذه الغارات.
عدد من أعضاء مجلس النواب اليمني يرى أن وجود قوات تابعة لـ «المارينز» الأميركي في صنعاء، سيسقطها بيد «القاعدة» ويحولها إلى ساحة للصراعات، وقال النائب في كتلة المؤتمر الشعبي العام نبيل باشا إن وصول عشرات من جنود «المارينز» إلى صنعاء ليس له أهمية عسكرية إلا أنه يجرح مشاعر اليمنيين ويكسب «القاعدة» تعاطفاً شعبياً، وبحسب المرصد البرلماني طالب النائب في كتلة التجمع اليمني للإصلاح منصور الزنداني، باستدعاء الحكومة إلى البرلمان لمساءلتها حول تواجد قوات أميركية في اليمن، وطالب بمقاطعة البضائع الأميركية، ودعا النائب علي عبد ربه القاضي الرئيس اليمني إلى ترحيل الجنود الأميركيين المتواجدين في اليمن، ووقف الهجمات التي تشنها الطائرات الأميركية من دون طيار على المناطق اليمنية.
وخلال الأسبوع الأول من أيلول (سبتمبر) الجاري شنت الطائرات الأميركية من دون طيار نحو سبع غارات جوية، استهدفت تجمعات ومواقع لتنظيم «القاعدة»، في محافظات مأرب وحضرموت والبيضاء (شرق وجنوب اليمن)، حيث تمكنت إحداها من تدمير سيارة لمسلحي القاعدة في الرابع من الشهر في منطقة صحراوية بمحافظة مأرب وقتل شخصين على الأقل كانا يستقلانها، وقالت مصادر محلية في محافظة حضرموت لـ «الحياة» إن ثلاث غارات جوية بواسطة الطائرات الأميركية من دون طيار قتلت نحو 30 مسلحاً من أتباع التنظيم، غير أن إحداها تسببت في مقتل إثنين لا علاقة لهما بـ «القاعدة».
وأكد بيان صادر عن «اتحاد علماء ودعاة المحافظات الجنوبية» إن القتيلين كانا يتفاوضان مع ثلاثة من عناصر التنظيم المتطرف لترك منطقتهم، وأوضح البيان أن من بين القتلى عضو الاتحاد سالم بن أحمد بن علي جابر، وهو إمام أحد المساجد في المنطقة، ولا علاقة له بتنظيم القاعدة، ويعرف بوسطيته وبعده عن الغلو ورفضه التطرف والإرهاب.
دعاوى قضائية
وفي رد فعل على هذه العملية أعلنت شخصيات اجتماعية ودينية وحقوقية في حضرموت عزمها على ملاحقة الحكومتين اليمنية والأميركية لقتلها مدنيين إثنين في الغارة الجوية التي شنتها طائرة أميركية مساء 29 آب (أغسطس) الماضي، وما سبقها من غارات مماثلة، وأكدت مصادر حقوقية في حضرموت لـ «الحياة» تشكيل فريق قانوني لرفع دعاوى قضائية على الحكومتين اليمنية والأميركية وملاحقتهما في المحاكم المحلية والدولية، لسماحهما بقتل مواطنين أبرياء وارتكاب جرائم ضد الإنسانية وانتهاك السيادة اليمنية، مشيرة إلى أن الفريق القانوني يعكف حالياً على تجميع الوثائق والأدلة وحصر الأضرار والخسائر البشرية والمادية الناجمة عن هجمات الطائرات الأميركية، وما تسببه طائرات التجسس من أضرار نفسية وإرهاب للمواطنين.
وكانت محافظة البيضاء هدفاً لأربع غارات جوية شنتها طائرات أميركية من دون طيار، غير أن هذه الغارات التي فشلت في النيل من عناصر «القاعدة» في هذه المحافظة وقياداتها، تسببت إحداها عصر الثاني من الشهر الجاري في مقتل 11 مدنياً لا علاقة لهم بالتنظيم في المنطقة.
ووفقاً لمصادر محلية تحدثت إلى «الحياة»، فإن الهجوم استهدف سيارة كانت تقل مدنيين في منطقة المناسح، التابعة لمديرية رداع، التي يوجد فيها معسكر خاص بـ «القاعدة» بقيادة الشيخ قائد الذهب، الذي خلف شقيقه طارق في قيادة التنظيم عقب مقتله في صراع أسري في شباط الماضي، وأشارت المصادر إلى أن الغارة دمرت السيارة ما أدى إلى مقتل 11 شخصاً كانوا يستقلونها، بينهم امرأتين، وقالت إن القتلى أبرياء، ومعظمهم من أسرة واحدة، كانوا على متن سيارة، صادف مرورها وقت قصف الطائرة، الذي كان يستهدف أحد قيادات التنظيم في محافظة البيضاء، ويدعى عبد الرؤوف الذهب.
منظمات حقوقية تدين وقبائل «تحاكم» الحكومة
أثار وصول مجموعة من المارينز استياءً شعبياً وإدانات واسعة من قبل اليمنيين والمنظمات الحقوقية والأحزاب السياسية، وقطـــع مواطنــــون الطريق الذي يربط بين محافظة البيضاء والعاصمة صنعاء، ما دفع السلطة المركزية وفق مصادر قبلية، إلى إرسال عدد من الوجهاء والأعيان القبليين، لتسليم الأهالي 20 قطعة سلاح «كلاشنيكوف» ومبلغاً من المال، وفقاً للعرف القبلي، بهدف تهدئة الموقف وفتح الطريق، ومن ثم القبول بما سيحكم به الأهالي على الحكومة من غرامات وتعويضات، على غرار ما حصل من تحكيم في الغارة التي استهدفت قرية المعجلة بمحافظة أبين منتصف تشرين الأول (اكتوبر) 2009 وتسببت في مقتل 42 من الأطفال والنساء، ومقتل نائب محافظ مأرب جابر الشبواني في 25 أيار (مايو) 2010 بطائرة أميركية من دون طيار من طريق الخطأ.
وطالبت منظمات حقوقية يمنية بالتحقيق في العمليات التي تستهدف المدنيين خارج إطار القانون، ودعت منظمة (سياج لحماية الطفولة في اليمن) إلى فتح تحقيق عادل وشامل، في ملابسات استهداف مواطنين مدنيين في شكل متكرر خلال الحرب على «القاعدة» وإحالة المسؤولين عن ذلك إلى القضاء، سواء كانوا من «القاعدة» أو من الجهات الأمنية، مشيرة إلى أن 4 أطفال قتلوا وأصيب آخر، في الغارة الجوية التي استهدفت سيارة نقل في محافظة البيضاء، وشددت على ضرورة قيام الحكومتين اليمنية والأميركية، بتحمل مسؤوليتهما الإنسانية في وقف مثل هذه الهجمات العشوائية، فضلاً عن تعويض أسر الضحايا تعويضاً عادلاً، وعلاج الجرحى وإعادة تأهيلهم، إضافة إلى إلزام المؤسسات الأمنية والعسكرية بتجنب استهداف المدنيين.
من جانبها قدمت منظمة «هود» للحقوق والحريات طلباً للنائب العام للتحقيق في شكاوى وجود طائرات تجسس أميركية تحلق في أجواء الجمهورية اليمنية وطائرات من دون طيار تنفذ غارات جوية في الأراضي اليمنية، وأضافت: «هود» في طلبها الذي قدمته لمكتب النائب العام أن هؤلاء المواطنين تقع مسؤولية حمايتهم على الدولة بكافة سلطاتها بما فيها السلطة القضائية التي تعد النيابة هي المسئولة عن حماية الحقوق والحريات وصاحبة الحق الأصيل في الدفاع عن المجتمع، وطالبت بالتحقيق في هذه الوقائع وإحالة المتورطين في إهدار كرامة اليمنيين والتفريط بسيادة الجمهورية اليمنية والتقصير في أداء مهماتهم الوطنية إلى القضاء لمحاكمتهم وفقاً للدستور والقانون.
«القاعدة» يستثمر
تنظيم «القاعدة» الذي يرى باحثون في شؤون التنظيمات المتشددة أن هذه التطورات تأتي في مصلحته، دعا المسلمين إلى تصعيد احتجاجاتهم وقتل مزيد من الديبلوماسيين الأميركيين في الدول الإسلامية، واعتبر في بيان نشرته مواقع «جهادية» على شبكة الإنترنت مرتبطة بالتنظيم، إن ما حدث يعد فصلاً جديداً في «الحروب الصليبية» ضد الإسلام، «ومن ظفر من إخواننا المسلمين بسفراء أميركا أو مبعوثيها فله خير قدوة في فعل أحفاد عمر المختار في ليبيا الذين قتلوا سفير أميركا». وأضاف البيان قائلاً: «ولتكن خطوة طرد السفارات والقنصليات هي خطوة لتحرير بلاد المسلمين من الهيمنة والغطرسة الأميركية».
وأكد بيان «القاعدة» «أن الدفاع عن عرض النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واجب شرعي متحتم على أمة الإسلام كل حسب استطاعته وقدرته»، كما حضّ التنظيم المسلمين الذين يعيشون في الغرب على مهاجمة الأهداف الرئيسة، وقال: «نهيب بإخواننا المسلمين في الغرب أن يقوموا بواجبهم في نصرة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فهم الأقدر على النكاية والوصول إلى العدو لهم أيسر».
وأوضح الباحثون في تصريحات أدلوا بها إلى «الحياة»، إن «القاعدة» سوف يسعى لاستغلال الإساءة للرسول والإعلان عن وصول قوات أميركية إلى اليمن، لكسب المزيد من التعاطف الشعبي وبخاصة في المناطق التي يوجد فيها مسلحوه، واستقطاب جهاديين جدد من الشباب الذين يرفضون التدخل الأميركي في الشأن اليمني، فضلاً عن انتهاك السيادة اليمنية وقتل المواطنين الأبرياء تحت مبرر الحرب على الإرهاب.
" الحياة " اللندنية
وقالت مصادر يمنية متطابقة إن جنود «المارينز» وصلوا إلى صنعاء لتأمين السفارة الأميركية في يوم الاقتحام الذي تعرضت له، وكشفت صحيفة يمنية إن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي سمح لدفعة جديدة من القوات الأميركية بالدخول إلى اليمن بعد وصولها إلى ميناء الحديدة على البحر الأحمر (غرب اليمن)، وأكدت يومية «الأولى» المستقلة، إن نحو 200 قطعة وآلية، بينها عربات مدرعة، وصلت إلى ميناء الحديدة وتنتظر الإذن من وزارتي الدفاع والداخلية اليمنيتين للتوجه نحو العاصمة صنعاء.
واعترف مصدر رفيع في الحكومة اليمنية بوجود جنود من «المارينز» في اليمن، وقال في تصريح بثته وكالة الأنباء اليمنية «سبأ»، إنها «حالة استثنائية موقتة ومهمتها محصورة في حماية الموظفين داخل السفارة وبمجرد انضباط الحالة الأمنية في البلاد ستغادر تلك الوحدة فوراً»، وأوضح المصدر اليمني «أن بداية تواجد أفراد من قوات مشاة البحرية «المارينز» لحماية موظفي السفارة يرجع إلى عهد النظام السابق، وتم تعزيزهم مؤخراً بما لا يزيد عن 50 جندياً، بعد دخول محتجين إلى محيط السفارة وقيامهم بأعمال شغب وتخريب».
خيارات صعبة
وبرر المصدر هذا التواجد بأن الخيارات التي كانت مطروحة أمام السلطات الرسمية عقب حادثة اقتحام السفارة خيارات صعبة من ضمنها إغلاق السفارة «الأمر الذي كان سيشكل أضراراً بالغة بالمصالح الوطنية، وجعل اليمن يعيش في عزلة»، مشيراً إلى أن الخيار الأقل ضرراً كان «قبول هذه الوحدة الصغيرة من المارينز بشكل موقت»، ونفى المصدر وصول 200 مدرعة عسكرية تابعة لقوات «المارينز» الأميركية إلى صنعاء، غير أنه عاد وقال إن «السيارات التي دخلت هي سيارات شخصية تابعة لموظفي السفارة وتقدر بحوالى 20 سيارة مدرعة، وهي بديلة عن بعض السيارات التي تم إتلافها أثناء اقتحام محتجين مبنى السفارة».
الحديث حول وجود قوات من «المارينز» في اليمن، لم يكن وليد اللحظة الراهنة، ولكنه مطروح منذ سنوات عدة، وتؤكد مصادر عسكرية يمنية إن أكثر من 200 جندي من قوات «المارينز» كانوا متواجدين في قاعدة العند الجوية الواقعة على مشارف مدينة عدن كبرى مدن (جنوب اليمن)، وأنهم كانوا يتولون مهمة تدريب قوات مكافحة الإرهاب اليمنية، إضافة إلى اشتراكهم في التخطيط للعمليات العسكرية التي يشنها الجيش اليمني على مناطق تمركز مسلحي تنظيم القاعدة في محافظة أبين (جنوب البلاد)، إلى جانب اشتراكهم مع قوات مكافحة الإرهاب في تنفيذ بعض العمليات النوعية ضد عناصر «القاعدة».
وكان مسلحون مجهولون يعتقد أنهم من عناصر تنظيم «القاعدة»، هاجموا منتصف أيار (مايو) الماضي بالأسلحة الرشاشة مبنى تابعاً لقاعدة العند العسكرية ينزل فيه جنود «المارينز»، وأطلق المسلحون النار من أسلحة رشاشة على المبنى من خارج أسوار الموقع العسكري دون أن يسفر الحادث عن إصابات، كما بث تنظيم «القاعدة» على عدد من المواقع الجهادية المرتبطة بالتنظيم على شبكة الإنترنت، صوراً لجنود من «المارينز» يقومون بتدريب قوات يمنية على ساحل أبين الممتد بين محافظتي عدن وأبين، وصوراً أخرى لجنود أميركيين آخرين يتواجدون في فندق شيراتون بصنعاء أثناء التدريب الصباحي. وهو ما أكده وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي، الذي قال إن قوات جديدة تابعة لـ «المارينز» الأميركي متواجدة في فندق شيراتون بصنعاء المطل على السفارة من جهة الشرق، لتوفير الحماية للسفارة الأميركية من أية مخاطر قد يشكلها تنظيم «القاعدة» في اليمن، بخاصة في أعقاب التهديدات التي أطلقها التنظيم مطلع آذار (مارس) الماضي، وقال فيها إنه يخطـــط لاستـــهداف عدد من السفارات الغربية، وأوضح الوزير القربي في تصريحات صحافية أن اليمن أصبح ساحة للاستــقطاب الخارجي بسبب الخلافات الإقليمية والداخلية، وقال «لا يمكن أن تكون اليمن بعيدة عن نظر المنطقة والعالم لأنها تعتبر مصدر تحول وتهديد لمصالحها».
وكشفت مصادر أمنية يمنية لـ «الحياة»، إن فندق شيراتون مفرّغ تماماً لقوات «المارينز» الأميركية منذ تموز (يونيو) من العام 2011، وأن الفندق لا يستقبل أي نزلاء منذ ذلك التاريخ، وأشارت المصادر إلى أن هذه القوات يتم تغييرها بين حين وآخر، وإضافة إلى قوات الحماية الأمنية، توجد حسب المصادر فرق أخرى تابعة لأجهزة الاستخبارات الأميركية، وأكدت المصادر الأمنية أن السفير الأميركي في صنعاء جيرالد فايرستاين وطاقم السفارة كانوا يتواجدون في فندق شيراتون، عندما اقتحم المحتجون على الفيلم المسيء للرسول مبنى السفارة.
مكافحة الارهاب
كما سبق وسمح الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح للإدارة الأميركية بفتح أربعة مراكز لمكافحة الإرهاب في محافظات مأرب وشبوة وأبين وحضرموت، وهي المحافظات التي يتزايد فيها نشاط تنظيم «القاعدة» في اليمن، وحسب مصادر سياسية يمنية فإن إدارة هذه المراكز إدارة أميركية بحتة، ولا يحق للسلطات اليمنية المشاركة في إدارتها أو تزويدها بعناصر يمنية، غير أن الاتفاق اليمني الأميركي على إنشاء هذه المراكز سمح لها بالاستعانة بدعم القوات اليمنية المتخصصة في مكافحة الإرهاب في حال احتاجت لذلك.
وأعلن مجلس النواب اليمني رفضه القاطع لأي وجود عسكري أجنبي، وطالب برحيل وحدة «المارينز» التي وصلت إلى اليمن مؤخراً، ودان في الوقت ذاته الإساءات التي نقلها الفيلم الأميركي للرسول الكريم، مطالباً الولايات المتحدة الأميركية بـ «الاعتذار الرسمي للمسلمين، ومعاقبة كل من ساهم في إنتاج هذا الفيلم»، وأكد مجلس النواب اليمني، فــي بيان له عــــدم قبوله بأي «تواجـــد أجنبي (قوات عسـكرية) على أراضي الجمهورية اليمنية سواء كان صغيراً أو كبيراً، تحــت أية ذريعة»، وطالب برحيل وحدة «المارينز» التي وصلت اليمن، وشدد على دور الحكومة اليمنية في القيام بواجبها لحماية السفارات وتأمين حياة السفراء والديبلوماسيين.
وعبرت مختلف الأوساط السياسية والاجتماعية اليمنية عن رفضها الشديد للوجود العسكري الأميركي في اليمن، كما أعلنت رفضها عمليات التجسس التي تقوم بها طائرات أميركية من دون طيار، والتي تشاهد منذ أكثر من عامين وهي تحلق في سماء العديد من المحافظات اليمنية التي يتواجد فيها مسلحو تنظيم «القاعدة»، بل وأصبحت المهمات التجسسية لهذه الطائرات وغاراتها الجوية، مصدراً لغضب المواطنين اليمنيين في المناطق التي تستهدفها الغارات الأميركية على السلطات المركزية، ودافعاً للتعاطف مع تنظيم «القاعدة»، الذي يستغل مشاعر الناس خصوصاً الشباب لاستقطابهم لصفوف التنظيم، بخاصة مع استمرار سقوط الضحايا من المدنيين في هذه الغارات.
عدد من أعضاء مجلس النواب اليمني يرى أن وجود قوات تابعة لـ «المارينز» الأميركي في صنعاء، سيسقطها بيد «القاعدة» ويحولها إلى ساحة للصراعات، وقال النائب في كتلة المؤتمر الشعبي العام نبيل باشا إن وصول عشرات من جنود «المارينز» إلى صنعاء ليس له أهمية عسكرية إلا أنه يجرح مشاعر اليمنيين ويكسب «القاعدة» تعاطفاً شعبياً، وبحسب المرصد البرلماني طالب النائب في كتلة التجمع اليمني للإصلاح منصور الزنداني، باستدعاء الحكومة إلى البرلمان لمساءلتها حول تواجد قوات أميركية في اليمن، وطالب بمقاطعة البضائع الأميركية، ودعا النائب علي عبد ربه القاضي الرئيس اليمني إلى ترحيل الجنود الأميركيين المتواجدين في اليمن، ووقف الهجمات التي تشنها الطائرات الأميركية من دون طيار على المناطق اليمنية.
وخلال الأسبوع الأول من أيلول (سبتمبر) الجاري شنت الطائرات الأميركية من دون طيار نحو سبع غارات جوية، استهدفت تجمعات ومواقع لتنظيم «القاعدة»، في محافظات مأرب وحضرموت والبيضاء (شرق وجنوب اليمن)، حيث تمكنت إحداها من تدمير سيارة لمسلحي القاعدة في الرابع من الشهر في منطقة صحراوية بمحافظة مأرب وقتل شخصين على الأقل كانا يستقلانها، وقالت مصادر محلية في محافظة حضرموت لـ «الحياة» إن ثلاث غارات جوية بواسطة الطائرات الأميركية من دون طيار قتلت نحو 30 مسلحاً من أتباع التنظيم، غير أن إحداها تسببت في مقتل إثنين لا علاقة لهما بـ «القاعدة».
وأكد بيان صادر عن «اتحاد علماء ودعاة المحافظات الجنوبية» إن القتيلين كانا يتفاوضان مع ثلاثة من عناصر التنظيم المتطرف لترك منطقتهم، وأوضح البيان أن من بين القتلى عضو الاتحاد سالم بن أحمد بن علي جابر، وهو إمام أحد المساجد في المنطقة، ولا علاقة له بتنظيم القاعدة، ويعرف بوسطيته وبعده عن الغلو ورفضه التطرف والإرهاب.
دعاوى قضائية
وفي رد فعل على هذه العملية أعلنت شخصيات اجتماعية ودينية وحقوقية في حضرموت عزمها على ملاحقة الحكومتين اليمنية والأميركية لقتلها مدنيين إثنين في الغارة الجوية التي شنتها طائرة أميركية مساء 29 آب (أغسطس) الماضي، وما سبقها من غارات مماثلة، وأكدت مصادر حقوقية في حضرموت لـ «الحياة» تشكيل فريق قانوني لرفع دعاوى قضائية على الحكومتين اليمنية والأميركية وملاحقتهما في المحاكم المحلية والدولية، لسماحهما بقتل مواطنين أبرياء وارتكاب جرائم ضد الإنسانية وانتهاك السيادة اليمنية، مشيرة إلى أن الفريق القانوني يعكف حالياً على تجميع الوثائق والأدلة وحصر الأضرار والخسائر البشرية والمادية الناجمة عن هجمات الطائرات الأميركية، وما تسببه طائرات التجسس من أضرار نفسية وإرهاب للمواطنين.
وكانت محافظة البيضاء هدفاً لأربع غارات جوية شنتها طائرات أميركية من دون طيار، غير أن هذه الغارات التي فشلت في النيل من عناصر «القاعدة» في هذه المحافظة وقياداتها، تسببت إحداها عصر الثاني من الشهر الجاري في مقتل 11 مدنياً لا علاقة لهم بالتنظيم في المنطقة.
ووفقاً لمصادر محلية تحدثت إلى «الحياة»، فإن الهجوم استهدف سيارة كانت تقل مدنيين في منطقة المناسح، التابعة لمديرية رداع، التي يوجد فيها معسكر خاص بـ «القاعدة» بقيادة الشيخ قائد الذهب، الذي خلف شقيقه طارق في قيادة التنظيم عقب مقتله في صراع أسري في شباط الماضي، وأشارت المصادر إلى أن الغارة دمرت السيارة ما أدى إلى مقتل 11 شخصاً كانوا يستقلونها، بينهم امرأتين، وقالت إن القتلى أبرياء، ومعظمهم من أسرة واحدة، كانوا على متن سيارة، صادف مرورها وقت قصف الطائرة، الذي كان يستهدف أحد قيادات التنظيم في محافظة البيضاء، ويدعى عبد الرؤوف الذهب.
منظمات حقوقية تدين وقبائل «تحاكم» الحكومة
أثار وصول مجموعة من المارينز استياءً شعبياً وإدانات واسعة من قبل اليمنيين والمنظمات الحقوقية والأحزاب السياسية، وقطـــع مواطنــــون الطريق الذي يربط بين محافظة البيضاء والعاصمة صنعاء، ما دفع السلطة المركزية وفق مصادر قبلية، إلى إرسال عدد من الوجهاء والأعيان القبليين، لتسليم الأهالي 20 قطعة سلاح «كلاشنيكوف» ومبلغاً من المال، وفقاً للعرف القبلي، بهدف تهدئة الموقف وفتح الطريق، ومن ثم القبول بما سيحكم به الأهالي على الحكومة من غرامات وتعويضات، على غرار ما حصل من تحكيم في الغارة التي استهدفت قرية المعجلة بمحافظة أبين منتصف تشرين الأول (اكتوبر) 2009 وتسببت في مقتل 42 من الأطفال والنساء، ومقتل نائب محافظ مأرب جابر الشبواني في 25 أيار (مايو) 2010 بطائرة أميركية من دون طيار من طريق الخطأ.
وطالبت منظمات حقوقية يمنية بالتحقيق في العمليات التي تستهدف المدنيين خارج إطار القانون، ودعت منظمة (سياج لحماية الطفولة في اليمن) إلى فتح تحقيق عادل وشامل، في ملابسات استهداف مواطنين مدنيين في شكل متكرر خلال الحرب على «القاعدة» وإحالة المسؤولين عن ذلك إلى القضاء، سواء كانوا من «القاعدة» أو من الجهات الأمنية، مشيرة إلى أن 4 أطفال قتلوا وأصيب آخر، في الغارة الجوية التي استهدفت سيارة نقل في محافظة البيضاء، وشددت على ضرورة قيام الحكومتين اليمنية والأميركية، بتحمل مسؤوليتهما الإنسانية في وقف مثل هذه الهجمات العشوائية، فضلاً عن تعويض أسر الضحايا تعويضاً عادلاً، وعلاج الجرحى وإعادة تأهيلهم، إضافة إلى إلزام المؤسسات الأمنية والعسكرية بتجنب استهداف المدنيين.
من جانبها قدمت منظمة «هود» للحقوق والحريات طلباً للنائب العام للتحقيق في شكاوى وجود طائرات تجسس أميركية تحلق في أجواء الجمهورية اليمنية وطائرات من دون طيار تنفذ غارات جوية في الأراضي اليمنية، وأضافت: «هود» في طلبها الذي قدمته لمكتب النائب العام أن هؤلاء المواطنين تقع مسؤولية حمايتهم على الدولة بكافة سلطاتها بما فيها السلطة القضائية التي تعد النيابة هي المسئولة عن حماية الحقوق والحريات وصاحبة الحق الأصيل في الدفاع عن المجتمع، وطالبت بالتحقيق في هذه الوقائع وإحالة المتورطين في إهدار كرامة اليمنيين والتفريط بسيادة الجمهورية اليمنية والتقصير في أداء مهماتهم الوطنية إلى القضاء لمحاكمتهم وفقاً للدستور والقانون.
«القاعدة» يستثمر
تنظيم «القاعدة» الذي يرى باحثون في شؤون التنظيمات المتشددة أن هذه التطورات تأتي في مصلحته، دعا المسلمين إلى تصعيد احتجاجاتهم وقتل مزيد من الديبلوماسيين الأميركيين في الدول الإسلامية، واعتبر في بيان نشرته مواقع «جهادية» على شبكة الإنترنت مرتبطة بالتنظيم، إن ما حدث يعد فصلاً جديداً في «الحروب الصليبية» ضد الإسلام، «ومن ظفر من إخواننا المسلمين بسفراء أميركا أو مبعوثيها فله خير قدوة في فعل أحفاد عمر المختار في ليبيا الذين قتلوا سفير أميركا». وأضاف البيان قائلاً: «ولتكن خطوة طرد السفارات والقنصليات هي خطوة لتحرير بلاد المسلمين من الهيمنة والغطرسة الأميركية».
وأكد بيان «القاعدة» «أن الدفاع عن عرض النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واجب شرعي متحتم على أمة الإسلام كل حسب استطاعته وقدرته»، كما حضّ التنظيم المسلمين الذين يعيشون في الغرب على مهاجمة الأهداف الرئيسة، وقال: «نهيب بإخواننا المسلمين في الغرب أن يقوموا بواجبهم في نصرة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فهم الأقدر على النكاية والوصول إلى العدو لهم أيسر».
وأوضح الباحثون في تصريحات أدلوا بها إلى «الحياة»، إن «القاعدة» سوف يسعى لاستغلال الإساءة للرسول والإعلان عن وصول قوات أميركية إلى اليمن، لكسب المزيد من التعاطف الشعبي وبخاصة في المناطق التي يوجد فيها مسلحوه، واستقطاب جهاديين جدد من الشباب الذين يرفضون التدخل الأميركي في الشأن اليمني، فضلاً عن انتهاك السيادة اليمنية وقتل المواطنين الأبرياء تحت مبرر الحرب على الإرهاب.
" الحياة " اللندنية