الرئيسية / شؤون محلية / سوق سوداء للقبور وتجارة الموت تزدهر في اليمن
سوق سوداء للقبور وتجارة الموت تزدهر في اليمن

سوق سوداء للقبور وتجارة الموت تزدهر في اليمن

24 يونيو 2020 11:30 مساء (يمن برس)

عند مدخل مقبرة قديمة وسط العاصمة اليمنية صنعاء، كان محمد حمود (35) عاماً، يقف وقد تلبسه الهم، وثمة دموع محشورة داخل عينيه.. كان حمود قد فقد والده الرجل الستيني قبل نحو ساعتين، بشكل مفاجئ، وحين ذهب لشراء قبر لوالده وتجهيزه تفاجئ بمسؤول المقبرة يطلب منه "100" ألف ريال غير قابلة للتفاوض إطلاقاً.

لم يتوقع محمد أن ترتفع أسعار القبور إلى هذا الحد، لكن ست سنوات من الحرب والأوبئة الفتاكة، آخرها كورونا، كانت كفيلة برفع الأسعار على النحو المبالغ فيه حالياً.

لاحقاً، استطاع حمود أن يدفن والده، بمساعدة ميسورين من جيرانه، لكن آخرين في صنعاء اشتكوا لوكالة "ديبريفر" معاناتهم الشديدة مع أصحاب أو مسؤولي المقابر، ومنهم من اضطر إلى تأخير دفن جثمان قريبه المتوفي يوماً كاملاً لأنه لا يملك قيمة القبر التي فيما يبدو أن أصحاب المقابر قد اتفقوا عليها، مستغلين تزايد اعداد الوفيات بسبب تفشي كورونا.

وحده الموت رائجاً في اليمن، وقد واصل حضوره المريع خلال الستة السنوات الأخيرة بشكل لافت، واكتظت المقابر في أغلب مدن هذا البلد التعيس.

مائة ألف يمني مدني، بينهم أطفال ونساء، قتلوا في الحرب، التي تشنها السعودية والإمارات على رأس تحالف عربي ضد الحوثيين المدعومين من إيران بهدف استعادة شرعية الرئيس هادي القابع وحكومته في الرياض منذ خمس سنوات.

وبحسب تقارير أممية ودولية، فإن مئات آلاف آخرين أجبرتهم الحرب على النزوح خارج ديارهم ومناطقهم، ومنهم من تمنى الموت لاحقاً بسبب ما يتعرضون له من معاناة شديدة.

وصلت قيمة القبر الواحد في العاصمة اليمنية صنعاء، وبعض المحافظات اليمنية منذ منتصف مايو الفائت إلى 100 ألف ريال، بسبب تفشي وباء كورونا المستجد (كوفيد_19).

أزمة جديدة، تضاف إلى قائمة أزمات أنهكت اليمنيين الذين تسببت الحرب وتباعاتها الاقتصادية في جعلهم معدمين أو يكادون.. وفي وضع مالي قاهر تمثل المائة الألف ريال للقبر الواحد عبئاً ثقيلاً جداً على أهالي المتوفين، خاصة وإن أغلبهم من الموظفين الذين انقطعت مرتباتهم منذ نحو ثلاثة سنوات ونصف.

وصنعاء رغم اتساعها، وكثرة المقابر فيها، إلا أنها أصبحت في حاجة ماسة لمقابر جديدة، عوضا عن تلك القديمة التي امتلأت بشكل كبير ولافت في زمن الحرب. امتلأت مقابر صنعاء، بالآلاف ممن قضوا نحبهم بقصف للطيران التحالف، أو ممن قتلوا في الجبهات أو قتلتهم الأوبئة، وآخرها كورونا.

وصنعاء المكتظة بالنازحين، فضلا عن سكانها المستقرين فيها منذ عقود، سواء من أبنائها أو من المحافظات الأخرى، تعاني من ازدحام سكاني شديد وبالمقابل تزايد ملحوظ في أعداد حالات الوفيات، لم يصاحبه فتح مقابر جديدة، باستثناء المقابر التي استحدثها الحوثيين واطلقوا عليها اسم "روضات الشهداء" وتم تخصيصها لدفن قتلى الجماعة.

7 مقابر تتواجد في تعز، هي الأجينات، وصينة، ووادي المدام، وثعبات وحبيل سلمان ووادي التبدد والسعيد" وهي قديمة جداً باستثناء مقبرة السعيد وممتلئة حد عدم وجود لموطئ قدم.

كانت تعز منذ صيف العام 2015 مسرحاً حاضناً لمواجهات مسلحة ومعارك عنيفة بين القوات التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وبين جماعة الحوثيين، وقد كانت عدد من أحياء المدينة عرضة للقصف والدمار والموت، ولاحقاً توسعت دائرة الصراع لتشتعل المواجهات بين فصائل محسوبة على الحكومة وموالية للتحالف.. والنتيجة، حصاد مخيف للأرواح.

ولا يختلف حال عدن عن صنعاء وتعز، فالمدينة الساحلية شهدت أيضاً استحداث مقابر جديدة، عقب موجة وفيات غير مسبوقة شهدته منذ مطلع مايو الفائت، وقد اشتكى السكان هناك من ارتفاع أسعار القبور من 20 إلى 70 ألف ريال، للقبر الواحد.

حصاد الموت الذي تعيشه اليمن بشكل كارثي منذ مارس 2015، لا يزال متواصلاً وبنسق عالٍ.. وفي حين تختلف أدواته، تتشابه تفاصيله، وضحاياه.. ويبقى الموت مخيماً على شعب يحاول أن يعود إلى الحياة، ولو من شرفة مطلة على مقبرة لم يكن أحداً يتصور أن تغلق بابها في وجه أحد.

شارك الخبر