يبدو أن شعار "نعود بحذر" الذي اختارته السعودية لتخفيف القيود المفروضة بسبب تفشي وباء فيروس كورونا، لم يكن ليحدّ من عودة انتشار الفيروس، إذ ارتفعت أعداد المصابين خلال الأيام الأخيرة، ما جعل مسؤولي الصحة في المملكة يدرسون إمكانية العودة إلى إغلاق آخر.
أعداد المصابين تتضاعف: حسب تقرير وكالة Bloombergالأمريكية، الجمعة 5 يونيو/حزيران 2020، تضاعف عدد الحالات الحرجة المصابة بفيروس كورونا في المملكة إلى ثلاثة أضعاف في الأسبوع الماضي، بعد أيام فقط من إعادة فتح الاقتصاد.
يُصاب أيضاً مقدمو الرعاية الصحية، وتمتلئ المستشفيات، وقاربت بعض وحدات العناية المركزة الوصول إلى أقصى طاقتها الاستيعابية، وفقاً لما جاء في مقابلات مع عشرات من العاملين بقطاع الصحة في الرياض وجدّة، تحدثوا شريطة إبقاء هويتهم سرية. وترتفع معدلات الوفيات، لكنها ما زالت منخفضة.
ليس فقط في السعودية: هناك كثير من الدول بأنحاء الشرق الأوسط تتصارع مع ما يبدو أنه موجة ثانية من حالات فيروس كورونا، مما يقدّم عبرة للعالم الذي يفتح تدريجياً أبوابه مرة أخرى لحياة طبيعية جديدة.
عادت إيران، التي كانت بؤرة الانتشار في الشرق الأوسط، لتسجل أعداداً يومية قياسية بعد تخفيف القيود على مدار الشهرين الماضيين. وقالت مصر إنها تتوقع زيادة كبيرة في الأعداد خلال الأسابيع المقبلة.
في إسرائيل، حيث حصلت المطاعم والمقاهي على الإشارة الخضراء لتعود إلى فتح أبوابها وتبدأ في استقبال الزبائن ليجلسوا بداخلها، أجبرتها الزيادة في عدد الحالات منذ إعادة الفتح، على إلغاء أحداث مهمة مثل اجتماعات البرلمان.
في اجتماع مجلس الوزراء يوم الأحد 31 مايو/أيار، انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ما سماه "الانضباط المُتراخي".
في المقابل يبدو أن بعض الدول بالمنطقة تؤدي أداءً أفضل. في الإمارات التي هي مركز للتجارة والسفر، استمرت أرقام الحالات الجديدة في الانخفاض بمعدل ثابت، على الرغم من إجراءات تخفيف قيود الحركة. وظلت معدلات الحالات في الكويت وقطر ثابتة.
الأمور قد تخرج عن السيطرة: لكن مثال السعودية يُظهر مدى إمكانية أن تخرج الأمور عن سيطرة الحكومة سريعاً فيما يتعلق بفيروس كورونا المستجد.
سجلت المملكة، التي يبلغ عدد سكانها 34 مليون نسمة، واحدة من أقل معدلات الوفاة في العالم، بينما تسبب الفيروس في شل الأنظمة الصحية بالولايات المتحدة وإيطاليا.
فوفقاً للبيانات الواردة من جامعة جونز هوبكينز، يبلغ معدل الوفيات في السعودية نحو 0.7% مقارنة بـ5.8% بالولايات المتحدة، وأكثر من 14% في بريطانيا، ولكن في ظل غياب طريقة قياسية لحساب الحالات، تصبح مقارنة الدول بعضها ببعضٍ صعبة.
فقد أعلنت الحكومة السعودية عودة تدريجية "للحياة الطبيعية"، في ظل وجود توجيهات بإجراءات احترازية جديدة. أصبحت الكمامات إلزامية في الأماكن العامة، وما زالت الحدود مغلقة، ويظل هناك حظر تجوال من بعد الساعة الثامنة. لكن المساجد فتحت أبوابها للمصلين، وبدأت المطاعم تستضيف الزبائن، وعاد العاملون لمكاتبهم بأعداد كبيرة.
"نعود بحذر": تخلَّت الحكومة عن شعارها القديم في أثناء الإغلاق والذي كان "المسؤولية المجتمعية"، واعتنقت الشعار الجديد، وألصقته على اللوحات الإعلانية في أنحاء العاصمة.
قال وزير الصحة السعودي توفيق الربيعة، في لقاء على قناة العربية، الأسبوع الماضي: "نحن مستعدون لأي موقف"، مضيفاً: "نؤكد قدرتنا على التعامل مع أي حالة تصل إلينا".
لكن اللقاءات مع العاملين في القطاع الطبي هذا الأسبوع، تشير إلى وضع خطير يختمر منذ فترة، وكذلك الأرقام الرسمية. إذ قفز عدد المرضى ذوي الحالات الحرجة من أقل من 400 مريض في الأسبوع الماضي، إلى 1412، الجمعة 5 يونيو/حزيران.
قال محمد عبدالهادي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة، يوم الثلاثاء 2 يونيو/حزيران، محذراً: "تشير هذه الأرقام المقلقة إلى أن هناك سلوكيات وأنشطة غير صحية".
في حين قال بعض العاملين بالمجال الطبي في السعودية لوكالة Bloomberg الأمريكية، إن مشافيهم بها الكثير من الأماكن الشاغرة، قال آخرون إن الأسرَّة تمتلئ وهناك أخبار عن تفشٍّ بين العاملين، مما يجعل مقدمي الرعاية الطبية الذين نحتاجهم بشدة خارج حسابات العمل.
قال أحد العاملين في التمريض، شريطة عدم الكشف عن هويته، لأنه يناقش معلومات حساسة في دولة لا تحمي حرية التعبير: "اعتقدت أننا بخير، لكننا لسنا كذلك".
عودة حظر التجول: ذكرت وكالة الأنباء السعودية، الجمعة، أن السلطات أعادت فرض حظر التجول في مدينة جدة اعتباراً من الساعة الثالثة مساء وحتى السادسة صباحاً، لمدة أسبوعين بدءاً من السبت؛ وذلك بعد ارتفاع عدد المصابين بفيروس كورونا.
الوكالة أضافت أن السلطات علقت أيضاً العمل في مقار العمل بالقطاعين الخاص والعام، مع تعليق الصلاة بالمساجد.
في وقت سابق أعلنت سلطات المملكة أنها ستنهي حظر التجول المرتبط بفيروس كورونا بدءاً من 21 يونيو/حزيران، على مستوى البلاد باستثناء مكة المكرمة، بعد أكثر من شهرين على فرض القيود الصارمة.
قالت وزارة الداخلية في سلسلة من الإجراءات التي أعلنتها وكالة الأنباء السعودية الرسمية، إنّه "سيتم السماح بالصلاة في جميع المساجد خارج مكة اعتباراً من 31 مايو/أيار".