في غرفة أولى بقسم المساعدة الطبية الاستعجالية، بتونس العاصمة، لا ينتهي رنين الهواتف. مكالمات متوالية على الرقم المجاني 190 المخصص للاستفسارات بشأن فيروس كورونا "كوفيد-19".
غالبًا ما يكون المتصلون بالقسم (خدمة الإسعاف التابعة لوزارة الصحة) أشخاص يشكون بانتقال عدوى الفيروس إليهم أو إلى أحد أفراد عائلاتهم.
وآخرون يطلبون التدخل العاجل للتعامل مع حوادث مختلفة، إضافة إلى مستفسرين عن كيفية تحديد مواعيد في المصحات العامة، وغيرهم من "العابثين" يقطعون تركيز متلقي المكالمات باتصال للهو لا غير.
متلقو الاتصالات هم متطوعون من أطباء خارج أوقات العمل، وطلبة طب، عملهم الأساسي هو إرشاد المتصلين للتعرف على حالة مرضاهم، أو تحديد مدى خطورة حالتهم ووجوب انتقال سيارات إسعاف مزودة بأطقم طبية وأجهزة إنعاش لإنقاذ حياة مرضى قبل نقلهم إلى مستشفيات قريبة.
في غرفة ثانية، هي وحدة إدارة الأزمات، يوجد أطباء من اختصاصات مختلفة ومشرفون يتخذون القرارات، ويوجهون الحالات إمّا بطمأنتهم بعدم خطورة الحالة أو انتظار وصول سيارة إسعاف في زمن وجيز.
** تدخل سريع
تقول الدكتورة سعيدة الزلفاني، أستاذة في الطب الاستعجالي، للأناضول، إن "الخدمة العادية للقسم، الذي يضم محافظات الشمال وهي تونس العاصمة ونابل وزغوان وبنزرت، هي التدخل الاستعجالي لتلبية نداء أشخاص بمنازلهم يواجهون توعكًا صحيًا يتطلب تدخلًا سريعًا" .
وتتابع: "تتوفر للقسم سيارات إسعاف بها كل المعدات المتوفرة في سرير إنعاش داخل مستشفى، ما يحولها إلى سيارة إنعاش متنقلة، قبل نقل المريض إلى مستشفى".
وتضيف أن "الخدمة في زمن الجائحة (كورونا)، التي طالت كل دول العالم تقريبًا، تحولت إلى تلبية نداء الأشخاص الذين يشكون في حملهم أعراض الإصابة بفيروس كورونا المستجد".
وتوضح أن طبيعة الخدمة تتمثل في "التنقل إلى مقر إقاماتهم لإجراء التحاليل المطلوبة، أو التدخل لنقل المصابين بالفيروس في صورة تعكر (في حال تدهور) حالاتهم ليكونوا بالمستشفيات لمراقبتهم صحيًا".
ولا يتوقف العمل في هذا القسم، وإنما يستمر طيلة اليوم على مدار الأسبوع، ويتداول المتطوعون، كل ثماني ساعات، مهمة تلقي الاتصالات.
أما الكادر الطبي وشبه الطبي فالدوام محدد من 12 إلى 24 ساعة دون توقف، كأنك تتابع خلية نحلٍ لا تكل ولا تمل من عملها المتقن.
** عيد العمال ورمضان
الأناضول واكبت يومًا خاصًا في قسم المساعدة الطبية الاستعجالية، وهو الأول من مايو/ أيار (إجازة من العمل)، حيث يحتفل العالم عادة بعيد العمال العالمي.
وهو يوم خاص هذا العام بتزامنه مع الحجر الصحي الشامل المفروض في البلاد؛ بسبب الفيروس، وأيضًا يوم صوم وإفطار في شهر رمضان بعيدًا عن العائلة.
كل هذه التفاصيل لم تتسبب بتوقف خلية النحل عن العمل في مكافحة "كورونا".
قرابة الأربعين فردًا من العاملين بالقسم يعملون باستمرار وهم مبتسمون في صورة تعكس الأمل الكبير في تجاوز زمن الجائحة.
مع رفع آذان صلاة المغرب، انتظم الكل في صف.. حَبةُ تمر وكأسُ لبنٍ للإفطار بعد يوم صيام كان مرهقًا للبعض.
في قاعة أخرى، أكبر من سابقتيها مساحة، تتوسط طاولة طويلة، كل وضع عليها ما اشتهى، ثم حاز مكانه عليها لتناول الإفطار.
البعض الآخر اكتفى بقدر من الشوربة، وعاد بسرعة إلى قاعة استقبال المكالمات، حتى لا يهدر جهود المتصلين، فبعض الأخيرين يخوض لحظات عسيرة مع قريبه المريض.
لم تمر أكثر من عشر دقائق وكان القسم على موعد مع مكالمة تتطلب التدخل السريع، متصلٌ يصف حالة والده بالعسيرة.
أعراض اختناق أو صعوبة تنفس، مع ارتفاع بدرجة الحرارة.. بعد دراسة سريعة لبيانات الحالة المتصلة يقرر الكادر الطبي الانتقال إلى مكان إقامته من دون تردد.
أربعة من أفراد الطاقم (ممرضتان وطبيب وسائق سيارة الإسعاف) يجهزون أنفسهم بلباسٍ واقٍ متكامل من الرأس حتى أخمص القدمين.
كل منهم يساعد الآخر على غلق أية منافذ لتسرب الهواء، مع التأكد من توفر وجاهزية كل الأطقم الطبية في سيارة الإسعاف.. الأمر لم يتطلب أكثر من دقيقتين، لتنطلق السيارة وصافراتها تسبقها، قبل مغادرة القسم.
** أجواء عائلية
يقول مهدي تريمش، طالب طّب بجامعة تونس تطوع لتلقي المكالمات على رقم الطوارئ، للأناضول، إن "الاتصالات في الفترة الأخيرة ارتفعت بشكل كبير، حيث تضاعف استقبال المكالمات عشر مرات مقارنة بالنسق العادي (كان للقسم ستة خطوط مجمعة بلغت اليوم ستين خطًا بقرار من وزارة الصحة)".
ويضيف أن "الأجواء في القسم عائلية بشكل كبير.. الكل يجتهد فيها قدر الإمكان".
ويوضح أن أكثر المتصلين بحاجة فعلًا لاستشارة طبية أو ضرورة التدخل السريع للإنعاش، وهو ما يلبيه متلقو المكالمات بتحديد البيانات، قبل عرضها على وحدة إدارة الأزمات، التي تتخذ القرار المناسب.
ويستمر العمل في القسم، ومع كل اتصال يكون الممرضون والأطباء في حالة ت