الرئيسية / تقارير وحوارات / بني بُجير.. مجبرون على الحياة
بني بُجير.. مجبرون على الحياة

بني بُجير.. مجبرون على الحياة

08 يناير 2009 10:17 مساء (يمن برس)
تسير الحياة في بني بجير شبيهة بجسد الحاج عوض العرقي -60 عام- المصاب بالشلل النصفي والملقى على خشبة النعش، يتأرجح بين أيادي أقربائه في طريقه إلى أقرب طريق سيارة من قريته (عربان) على بعد أربع ساعات حتى قرية (بني عياض) حيث تصل إليهما السيارة المسعفة. وبقدر الألم الذي استوطن أعماق الحاج محمد يملأ الرعب قلوب أهالي عزلته الذين يسيطر عليهم سؤال: هل سيكون مصيرهم أن يحملوا أحياء على النعش؟ الحاج محمد لم يكن الوحيد ممن حملوا على النعش وهم أحياء فقد سبقه العديد من المرضى وحالات الولادة التي تصارع الموت لمدة ست ساعات كما هو الحال في قرية بني مونس على بعد ساعتين من قرية الحاج محمد العرقي، فمنهم من ارتاح في منتصف الطريق وقضى نحبه ومنهم من استمر في رحلة الموت الوعرة وتمنى الموت ألف مرة متضرعا بالدعاء كما هو حال الحاج محمد العرقي. بات من الواضح إدراك معنى الفساد المالي والإداري وحالة التخبط واللامبالاة في مسئوليات الحكومة أمام هذا الشعب، ولعل اعتماد 55 كيلو متر عام 1997م للعزلة نفذ منها حتى عام 2003م ما لا يزيد عن 4-5 كيلومترات، ثم توقف العمل نهائيا أصدق مثل على ذلك الفساد. فبعد أن رفعت الشركة المنفذة للمشروع معداتها عام 2003م أصبحت طريق (السلمة -السلف) في بني بجير حلما في النهار وكابوساً في الليل. وعلى غرار ذلك ذكر بعض أمناء وعقال العزلة أن أحد الأهالي قد قام ببيع قطع غيار الدركتل التابع لأبناء العزلة والذي تم منحه من قبل ما كان يسمى سابقا بالتعاونيات المحلية عام 1987م ليتم العمل به حتى عام 1994م ثم توقف نظرا لحاجته إلى بعض قطع الغيار. وفي عام 1995م تم منح الأهالي قطع الغيار التي يحتاج إليها الدركتل غير أن السيول والوزن الثقيل لهذه القطع حال دون إيصالها إلى مكان الدركتل آنذاك، ليتم وضعها أمانة عند أحد الأهالي حتى يتسنى لهم إصلاح الدركتل في وقت لاحق. وقد تفاجأ الأهالي في عام 2008م ببيع تلك القطع من قبل أحدهم وسارعوا في إبلاغ أمن محافظة صنعاء ومتابعة القضية حتى تم إيداعه سجن المحافظة لمدة لا تزيد عن أسبوع ثم إخلاء سبيله بضمانة أحد النافذين كما تقول المصادر. وأكد الأخ أحمد عبدالله المصطفى أحد عقال المنطقة أن ما يحدث من فساد منظم لا يمكن أن يقتصر في عملية أو عمليتين فالأيادي الأخطبوطية تنهش حقوق العزلة وتنهب المال العام جهارا نهارا. ما زاد على السرق شلوه الأقوياء أفاد بعض أمناء وعقال بني بجير أن حالة الصمت المطبق واللامبالاة من قبل المجلس المحلي وبعض أجهزة الدولة قد فتح الباب على مصراعية أمام الفساد وعبثية النافذين بما يمارسونه من اختلاسات في وضح النهار. ولعل العملية التي قام بها أحد النافذين مؤخرا خير دليل وبرهان، فقد ذكرت المصادر أن أحد النافذين والذي يشغل منصبا رفيعا في الدولة قد اختلس أعمدة ومواد كهربائية أخرى تخص عزلة بني بجير حيث قام بتقديم طلب باسم عزلة الزاهر التي اتضح فيما بعد أنها عزلة وهمية لا وجود لها في مخلاف عانز بأكمله. وبعد كشف الأهالي هذه السرقة لحقوقهم، تم إبلاغ المجلس المحلي كونه المعني بذلك، والذي وقف مكتوف الأيدي ملتزما الصمت. وقد فسرت المصادر أن صمت المجلس المحلي دليل كاف على عملية التواطؤ مع النافذ. وسلام مربع للحمار ومع ولوج الليل تبدو قرى عزلة بني بجير المتناثرة هنا وهناك، وكأنها نجوما تتخذ تجمعا محددا بالكاد ترى، نظرا لأن الأهالي لا يزالون يستعملون تلك الوسائل التقليدية التي كان يستخدمها أجدادنا قبل فجر الثورة والمسماة بـ»الفانوس، النوارة، .....الخ» بما تخلفه من أدخنة تؤثر على الصحة بشكل مباشر، ولعل أقل ما تسببه هو الصداع المزمن. ولأن تكاليف الغاز المنزلي يقترب إلى الضعف، فقليل من الأهالي هم من يستخدمونه، لغرض الإنارة، وهم الأسر الميسورة بالمقارنة مع البقية. لتبقى الطريق هي الشغل الشاغل والأمل الذي ينشده الصغار والكبار من الأهالي، فلا زال الحمار وسيلتهم الوحيدة لنقل حاجياتهم الأساسية من القرية التي تستطيع السيارة الوصول إليها. حيث يقول الحاج محمد مستهزئا: أمضي من الوقت مع حماري أكثر ما أمضيه مع أحد أولادي، ولو أن «مألوف» وهذا اسم حماره، تقدم وترشح في الانتخابات لحصل على الأغلبية، فأغلب الأهالي يعرفونه خلال ساعات النهار، إما حاملا مياه الشرب أو محملا بالمقاضي والمصاريف لا يكل ولا يمل حتى يسدل الليل أجنحته. ويذكر أن أحد الأهالي قد تكبد قرابة 280 ألف عندما جلب طاحون إلى إحدى قرى العزلة، حيث استغرق نقله يومين كاملين بعد أن وضع على خشبتين ليتعاقب على حمله أهل القرية على أكتافهم، وأصوات الزوامل والطبول «الطامة» مصاحبة لذلك الموكب كنوع من التحفيز واستثارة النشاط، مستفيدين من تجربة مشابهة حدثت قبل 25 عام عندما حمل الأهالي طاحوناً إلى قرية مجاورة. خاتمة لم تقف وعورة الطريق حائلا أمام ممارسة حقهم في الانتخابات السابقة التي كانت أملهم الوحيد في إخراجهم من هذا الواقع البئيس، فمع اقتراب يوم الاقتراع يهرع نفر من أبناء العزلة لحمل صناديق الاقتراع واصطحاب لجنة الانتخابات لإيصالها إلى المركز (م) بالدائرة 221 مشيا على الأقدام لمدة تزيد عن ساعتين ونصف. ويقول يحيى علي السويدي إن الانتخابات تمثل للأهالي بذرة أمل يتشبثون بها رغم كثرة الوعود التي تتزامن مع موسم الانتخابات وما تلبث أن تتلاشى.
شارك الخبر