هي فنانة قطرية عشقت الفنون البصرية والمرئية، شاهدت الواقع بعيون مختلفة شأنها شأن أي فنان مبدع، صوّرته بعدستها الخاصة كما نقلته من صورة إلى أخرى بريشتها الساحرة، لتكون واحدة من قلائل ممن أجدن فنون الرسم والتشكيل والتصوير الضوئي وصلت إلى الاحتراف والتميّز بسبب تعاملها مع الأمر كعاشقة محترفة وليس كهاوية، ولكونها تضع رسالة نصب أعينها عليها أن تُؤدّيها مهما كلفها الأمر حتى لو خاطرت في سبيل ذلك بكل ما هو غالٍ ونفيس، يقف وراءها زوج يدفعها دفعًا إلى المضي قدمًا نحو النجاح والتميّز عن الآخرين ويُهيّئ لها من أمرها الكثير وهو السيد محمد أبوسطوة الهاجري، وتمّ تكريمها في العديد من المحافل والمسابقات وأقامت العديد من المعارض في الفنون التشكيلية أو التصوير الضوئي ولكنها أبدعت وتألقت في توثيق لقطات نادرة من مختلف أنحاء العالم بعدسة يُمكن وصفها تارة بالشقية والمغامرة وتارة بالحالمة، وفي حوارنا معها سنتعرّض إلى رحلة نادرة قامت بها كأول مصورة قطرية تنجح في زيارة المناطق الملتهبة والساخنة في جمهورية اليمن الشقيقة لتصل إلى صعدة وبعد عدّة اتصالات ومحاولات للحصول على موافقة الحوثيين وتحت حمايتهم لدخولها، وبمساعدة زوجها تنجح في أن تتمتع بحصانة خاصة لتلتقط صورًا قريبة جدًّا من أهل صعدة ليتعرّف الناس عن أحوالهم المعيشية عن قرب، واجهت في سبيل ذلك العديد من الصعاب ولجأت وزوجها إلى التشبّه بطريقة لبسهم حتى يتمكّنوا من عبور بعض نقاط التفتيش التي يستحيل أن يمرّ منها أجنبي، أصبح لديها أصدقاء من أطفال اليمن ومن عجائزها باتوا يعرفون الفنانة القطرية موضي الهاجري التي تُدخل الفرحة إلى قلوبهم، والفنانة موضي الهاجري حاصلة على بكالوريوس علوم تعشق التصوير والرسم على الحرير والجرافيك، وهي عضوة بجمعيتي التصوير الضوئي والفنون التشكيلية، شاركت في الكثير من المعارض وحصلت على العشرات من شهادات التقدير والدورات وورش العمل المعتمدة في مجال الفنون التشكيلية..
و الراية حرصت على أن تلتقي بالفنانة لنتعرّف على رحلة مثيرة قامت بها الفنانة القطرية موضي الهاجري إلى نقطة ساخنة في عالمنا العربي:
> في البداية نودّ أن نعرف بداياتك في هذا المجال؟ وما سر احترافك للتصوير الضوئي مع الفن التشكيلي؟
- الرسم والتصوير هوايتان متلازمتان منذ الصغر، والتصوير هو الأقرب إلى نفسي حيث سجلت به كل لحظة فرح ونجاح وكل مرحلة من مراحل حياتي ونمو إخوتي وأولاد الجيران وأبنائي، كما أن الفن التشكيلي في أعمالي التجريدية هو رسم وبناء بمواد لا تخطر على بال ممزوجة بالألوان المتنوّعة والمختلفة بها أُحقق عمل، لا يُمكن تحقيقه بالطرق التقليدية، كذلك لا يُمكن الاحتفاظ به في صورته الطبيعية، ما يُحتّم الأمر بتوثيق ذلك العمل بالتصوير، حيث إنها أعمال وقتية تنتهي بمجرّد تصويرها، وأذكر أول كاميرا اشتريتها بالعيدية التي جمعتها وأنا في الثامنة من عمري، أمّا الكاميرا الثانية فكانت هدية من الوالد الله يرحمه وأذكر أنني اقتنيت أنواعًا كثيرة من الكاميرات، حتى حصلت على ميكروسكوب مجهّز بإمكانية تركيب الكاميرا به وتصوير الشرائح والأنسجة ومنها بدأ اهتمامي بالعمل التجريدي. عشقت الفن التشكيلي منذ نعومة أظفاري من خلال ممارستي له كهواية أُشغل بها أوقات فراغي، تعزّزت تلك الهواية من خلال دراستي لعلم الأحياء، حيث كنا نرسم الكائنات الحيّة والشرائح المايكروسكوبية بحكم دراستي في كلية العلوم حيث كنت أُشاهد عظمة الخالق في خلقه، كذلك كنت مطلعة ومقتنية لكثير من كتب الفنون في البداية، ومثابرة على حضور الدورات الفنية بشكل دائم.
> نودّ أن تُخبرينا بتفاصيل فكرة الذهاب إلى اليمن وتحديدًا إلى صعدة وما هي جدوى المغامرة لتصوير مثل هذه المناطق وأنتِ لستِ بمصورة صحفية؟!
- الفكرة كانت في ذهني منذ زمن بعيد وفي عام 2006 ذهبنا إلى اليمن لمدة 15 يومًا كسياحة، وأعجبنا بها جدًّا وزُرنا شمالها وجنوبها وشرقها وغربها، وشعرنا بعبق التاريخ واكتشفنا اختلافًا جوهريًّا بين اليمن وكل دول العالم فلها سحر لا يُمكن مقاومته، ومن ذلك الوقت توالت رحلاتنا وشوقنا ولهفتنا لاكتشاف ومعرفة المزيد عن هذه الأرض الطيبة. وأستمتع بالتقاط الصور للطبيعة والعمارة والوجوه، حقيقة كنت وما زلت نهمة لاحتواء كل ما يمر أمامي في ذاكرة الكاميرا وأُضيفها لأشيائي الثمينة . بدون مبالغة انتقل من نافذة الى اخرى في السيارة وهي تسير لكي لا يفوتني منظر أو حركة.
وأتأمّل شوارعها ومبانيها والقرى فوق رؤوس جبالها صعودًا وهبوطًا والأطفال الباعة والرعاة على طرقاتها والكل يُرحّب ويبتسم للصورة مع زخات المطر والأجواء الحالمة وكأنني عبرت بوابة الزمن حيث زمان آخر ثري بالجمال والفطرة. وأصبحنا نحرص كل سنة على زيارتها عدّة مرّات وفي أوقات مختلفة من 5 إلى 6 مرات وقضينا الصيف بها 4 مرات وقضينا شهر رمضان في اليمن مرتين، أما عن تجربة الذهاب إلى محافظة صعدة فتعود إلى شهر يوليو 2012 حيث قررت أن أخوض تجربة زيارة اليمن في ظل الأحداث التي تموج به، وسبقني زوجي إلى هناك ليطلع على الأجواء إن كانت آمنة. ولما علم برغبتي الشديدة في اللحاق به نصحه المقربون بعدم السماح لي بالسفر حفاظًا على سلامتي، ولكنني كنت مصرّة جدًّا وفور موافقته كنت قد حجزت على أول طائرة في طريقي إلى اليمن.
> وما هو الهدف من هذه الزيارة؟
- في الحقيقة أنا أعتزم تنظيم معرض خاص لأعمالي عن اليمن قريبًا في المؤسسة العامة للحي الثقافي"كتارا" وتحدّد له موعد مبدئي وهو مايو 2013 المقبل بإذن الله، كما ستتم طباعة هذه الأعمال في كتاب بالتعاون مع كتارا، وكانت قد بقيت لي أربع مناطق مهمة لم أزرها بعد في اليمن وهي: صعدة وحجة وبعض المواقع في الجنوب وجزيرة سقطرى ولما كان هذا الكتاب سيتضمّن اليمن بشكل عام حرصت على زيارة الأماكن التي لم أزرها، وأتمنّى من الله العلي القدير أن يوفقني بعدها للمرحلة المقبلة لعمل كتاب لكل منطقة على حدة وبشكل تفصيلي.
> حدّثينا عن الطريق إلى صعدة؟
- محافظة صعدة تقع في الجزء الشمالي من الجمهورية اليمنية إذ يبعد مركزها الإداري عن العاصمة صنعاء شمالاً بحوالي ( 243 كيلومترًا)، وهي قديمة حيث ذكر اسم صعدة في نقوش يعود تاريخها إلى القرن الثالث الميلادي، وكانت وما زالت محطة مهمة على طريق التجارة الممتد من جنوب اليمن عبر مكة إلى بلاد الشام، وتتميّز مدينة صعدة القديمة بسورها المبني من الطين والذي يعود تاريخ بنائه عام 965 هجريًّا ولهذا السور خمسة أبواب وبها من المناظر الخلابة ما يأسر القلوب ولهذا حرصت على زيارتها، وفي الحقيقة الطريق إليها كان غاية في الصعوبة حيث تكثر نقاط المراقبة والتي لا تسمح بخروج أي أجنبي أو غير يمني خارج العاصمه تفاديًا للمشاكل الأمنية وحرصًا على سلامتهم.
وكان الموضوع يحتاج أمرين: الاول عبور مسافة تحتاج لأربع ساعات تتخللها نقاط مراقبه عسكريه وكذلك (تقاطعات قبلية ) يحكمها رجال مسلحون من القبائل على الطريق بينها نزاعات خاصة ويجب أن نعبرها خلال النهار لتجنب قطاع الطرق والثاني موافقة وتصريح لدخول صعدة من الحوثيين، والحمد لله ونظرًا لقيمة المرأة عند اليمنيين فقد نجحنا في عبور العديد من نقاط المراقبة بمجرد علمهم أن هذه السيارة بها امرأة، ولكن كان لا بدّ من إيجاد طريقة لتأمين حمايتنا داخل صعدة وبعد اتصالات عديدة بين صاحبنا ومرافقنا عبدالإله الصعدي وزوجي بالأمير الشيخ أحمد بن حسن الأمير وعبدالله بن حسن الأمير شيوخ مشايخ مأرب اللذين نجحا في الاتصال بالشيخ عبدالكريم الحوثي وهو أحد أبرز وجهاء قبائل صعدة حصلنا على وعد بأن يسمح لنا بالدخول في أمان، ووصلنا في المغرب وظللنا في الفندق للساعة الثانية عشرة ظهر اليوم التالي بانتظار المقابلة والحصول على تصريح بالتصوير، وبالفعل قابلنا السيد عبدالكريم في مكتبه وأحسن وفادتنا واستقبالنا، وشرحنا له أننا لسنا صحفيين ولا سياسيين ولكننا نحب اليمن وبصدد ادراج صور للمدينة في المعرض والكتاب، فرحّب وأمر بأن يكون معنا مرافق للتصوير في "صعدة" وبهذا أعتبر انا أول سيدة تدخل بهدف التصوير بعد الحرب السادسة إلى صعدة بموافقة الحوثيين.
> وماذا شاهدت في "صعدة" وما هو انطباعك الأول عنها؟
- للأسف الوضع هناك بائس جدًّا والأوضاع صعبة للغاية، فالحرب دمّرت المباني والمنشآت ولا تُوجد كهرباء إلا ساعات قليلة ليلا، وبها إجراءات أمنية مشددة وينتشر بها الكثير من الاعلانات التي تقول ان الاجراءات الامنية لحمايتكم اي لكم وليست عليكم. اما داخل سور صعدة القديمة فشاهدنا آثار الدمار الذي طال المدينة التي تحتوي على 26 مسجدًا عدد كبير منها تساوت بالأرض رغم كونها أثرية مدرجة في قائمة اليونسكو للتراث، الا ان الحرب دمرت كثيرا منها ودمرت نصف مساكن أهل البلدة الذين يسكنون فيما تبقى من المنازل، ولا يستطيع زائر لليمن أن يخفي دهشته من عمارة المباني ذات طوابق متعددة مبنية من الطين وحول نوافذها زخارف من الجبس في غاية الجمال. كما لاحظت انه اثناء الحرب انتشرت اللوحات الجدارية التي تحمل عبارات وكتابات تُعبّر عن أراء الناس بشكل ملحوظ والتي تعكس رأي الشعب وثورته على الأوضاع.
> وهل كان الناس يتقبلون فكرة أنك مصورة في بلادهم؟
- خلال تجولنا والتقاط الصور كان الناس يظنون أننا تابعين لأحد مشاريع الإعمار والكل يتسابق ويحاول ان يرشدنا لما خلفه الدمار وماذا كان هنا بالأمس من معالم محيت على يد الأسلحة الهوجاء وكان كثير من الناس يطلب منا أن ننقل صورة ما يحدث لصعدة إلى العالم.ومن حسن الحظ تصادف وجود لجنة من لجان إعادة إعمار اليمن مع زيارتنا وهو ما سهّل مهمّتنا بعض الشيء، وكان علينا ان ننتهي سريعًا من مهمّتنا حتى نتمكّن من العودة قبل الليل.
> وهل قابلتكم عقبات أو مشاكل كبيرة في هذه الرحلة؟
- الرحلة برمّتها محفوفة بالمخاطر فالقلق كبير خصوصًا في ظل الأجواء السياسية المتوترة، ولكن بعد أن ودّعنا المرافق الذي صاحبنا إلى مشارف صعدة شاهدت على مقربة تجمع فتيات صغيرات وكالعادة فتحت نافذة السيارة ورفعت الكاميرا لالتقط لهن صورة وإذا بهن يصرخن ويركضن ليختبئن خلف الجدران والأشجار بشكل هستيري ما دفعنا للتحرّك بعيدًا خوفًا من المسلحين والذين كانوا يتمركزون تحت الجدار، من هول الموقف لم نستوعب ما حصل إلا حين ابتعدنا لقد ظنّوا أن الكاميرا سلاح موجّه لهن وكم كانت تلك اللحظة مؤلمة لي جدًّا، فهل وصل الحال لهذه الدرجة بعد ان كان الاطفال يتهاتفون ويحيطون بنا في كل مكان بابتساماتهم وعفويتهم باتوا يرتجفون من أي شيء ويخافون من أي شخص بسبب الحرب.
> هل تمكنت بالفعل من التقاط صور لمنزل الشيخ الأحمر الذي تعرض للقصف؟
- أنا أحرص على تسجيل لقطات لكل الماكن التي أذهب إليها ونحن كنا في صنعاء وتحديدا في منطقة الحصبة وما حولها وكانت هناك آثار الدمار واضحة ولكي التقط الصور كان لزامًا عليّ أن أحصل على موافقة وتمّت اتصالات مكثّفة لضمان عدم التعرّض لنا بالأذى أثناء التصوير والحمد لله حصلنا على تصريح ومرافق من جماعة أسرة الأحمر ليُرشدنا للأماكن المقصوفة في المدينة وبعدها دخلنا بيت المرحوم عبدالله الأحمر وصورت المبنى والمجلس الذي قصف أثناء تجمع شيوخ القبائل يومها، ومنزل عبدالله الأحمر الذي تمّ تدميره وهو في منطقة اسمها الحصبة وتسكنها عائلة الأحمر وهذه المنطقة ممنوع دخولها لأي شخص، وصوّرنا البيت الكبير الذي حدث به قصف أثناء اجتماعهم، والتقينا هاشم عبدالله الأحمر أحد أبناء الشيخ عبدالله، ولولا ضيق الوقت لكنا قابلنا السيد صادق الأحمر وانا أشكرهم جزيلاً لأنهم تعاونوا معنا على أقصى درجة.
> ما هي العناصر التي ركّزتِ على التقاط صورها بشكل اكثر تركيزا؟
- عند دخولي إحدى القرى وكما قلت سابقًا أول من يستقبلني أحباب الله الاطفال ومن ثم كبار السن عند الحوانيت أو بين الاطفال لذلك أبدًا بالبورتريه، وبعد التقاط الصور وهدوء الاطفال ابدأ في التركيز على المباني والبيوت ونوافذها وابوابها المميزة والمتنوّعة والمساجد، وأضطر غالبًا لزيارة المكان عدّة مرات للتركيز على مافاتني أو لم أرض عن نتائج تصويره وأحرص على تغيير الوقت خلال السنة واليوم وحالة الطقس للحصول على نتائج متنوعة وجيدة، أمّا خلال تجوالنا وتحرّكنا من منطقة لأخرى أركز على المناظر الطبيعية والقرى على رؤوس الجبال بالاضافة لكل ما نُشاهده على الطريق من الحياة العامة المزارعين الرعاة المحاصيل على جنبات الطريق يبيعها الاطفال واغلبها يكون التصوير اثناء سير السيارة.
> ما نوع العدسة التي تستخدمينها؟
- أستخدم حاليًا كانون 5 دي مارك 2 وعدسات مختلفة وغالبًا العدسة الشاملة 24- 105.
> من وجهة نظرك ما هو التحدّي الأبرز الذي تُواجهه اليمن؟
- التحدّي الأكبر هو وضع دستور مدني توافقي يتناسب مع الوضع الاجتماعي في اليمن، وتعاون العقول المفكرة في المجتمع ووضع خطة طويلة الامد للرقي والوعي بالمواطن اليمني من عدّة نواحٍ مثل العلمي والصحي والاقتصادي، اليمن من البلدان التي لديها كل مقوّمات الاكتفاء الذاتي.
> بالطبع هناك ذكريات عالقة في ذهنك خلال زياراتك المتكرّرة لليمن حدثينا عن بعض منه؟
- أذكر أثناء تصويري في "ثلأ" في عام 2006 صورت طفلة جميلة لا تتعدّى خمس سنوات كانت تُلاحقني لتعرض عليّ أحجار العقيق في علبتها الصغيرة وفي 2007 وجدت نفس الطفلة وكما هي عادتي أوزّع الصور التي التقطتها سابقًا على أصحابها وكم كانت وفرحتهم حين يشاهدونها وكم هي فرحتي بعدد من هم على استعداد للتصوير، وأخذت أحلام صورتها والتقطت لها صورة ثانية وهكذا توالت السنوات وتوالت الالتقاطات بنفس الأسلوب وكانت أحلام تكبر ولا تزال علبة الأحجار صغيرة في يدها، وكذلك أذكر موقف لأمير ابن مدينة حبابة حين قال لي: أنا زعلان منك ! وذلك لأنني لم أكتب اسمه واسمي خلف صورته السنة الماضية مثل أصحابه، والعديد من المواقف التي لا تنسى والمناطق الساحرة.
و الراية حرصت على أن تلتقي بالفنانة لنتعرّف على رحلة مثيرة قامت بها الفنانة القطرية موضي الهاجري إلى نقطة ساخنة في عالمنا العربي:
> في البداية نودّ أن نعرف بداياتك في هذا المجال؟ وما سر احترافك للتصوير الضوئي مع الفن التشكيلي؟
- الرسم والتصوير هوايتان متلازمتان منذ الصغر، والتصوير هو الأقرب إلى نفسي حيث سجلت به كل لحظة فرح ونجاح وكل مرحلة من مراحل حياتي ونمو إخوتي وأولاد الجيران وأبنائي، كما أن الفن التشكيلي في أعمالي التجريدية هو رسم وبناء بمواد لا تخطر على بال ممزوجة بالألوان المتنوّعة والمختلفة بها أُحقق عمل، لا يُمكن تحقيقه بالطرق التقليدية، كذلك لا يُمكن الاحتفاظ به في صورته الطبيعية، ما يُحتّم الأمر بتوثيق ذلك العمل بالتصوير، حيث إنها أعمال وقتية تنتهي بمجرّد تصويرها، وأذكر أول كاميرا اشتريتها بالعيدية التي جمعتها وأنا في الثامنة من عمري، أمّا الكاميرا الثانية فكانت هدية من الوالد الله يرحمه وأذكر أنني اقتنيت أنواعًا كثيرة من الكاميرات، حتى حصلت على ميكروسكوب مجهّز بإمكانية تركيب الكاميرا به وتصوير الشرائح والأنسجة ومنها بدأ اهتمامي بالعمل التجريدي. عشقت الفن التشكيلي منذ نعومة أظفاري من خلال ممارستي له كهواية أُشغل بها أوقات فراغي، تعزّزت تلك الهواية من خلال دراستي لعلم الأحياء، حيث كنا نرسم الكائنات الحيّة والشرائح المايكروسكوبية بحكم دراستي في كلية العلوم حيث كنت أُشاهد عظمة الخالق في خلقه، كذلك كنت مطلعة ومقتنية لكثير من كتب الفنون في البداية، ومثابرة على حضور الدورات الفنية بشكل دائم.
> نودّ أن تُخبرينا بتفاصيل فكرة الذهاب إلى اليمن وتحديدًا إلى صعدة وما هي جدوى المغامرة لتصوير مثل هذه المناطق وأنتِ لستِ بمصورة صحفية؟!
- الفكرة كانت في ذهني منذ زمن بعيد وفي عام 2006 ذهبنا إلى اليمن لمدة 15 يومًا كسياحة، وأعجبنا بها جدًّا وزُرنا شمالها وجنوبها وشرقها وغربها، وشعرنا بعبق التاريخ واكتشفنا اختلافًا جوهريًّا بين اليمن وكل دول العالم فلها سحر لا يُمكن مقاومته، ومن ذلك الوقت توالت رحلاتنا وشوقنا ولهفتنا لاكتشاف ومعرفة المزيد عن هذه الأرض الطيبة. وأستمتع بالتقاط الصور للطبيعة والعمارة والوجوه، حقيقة كنت وما زلت نهمة لاحتواء كل ما يمر أمامي في ذاكرة الكاميرا وأُضيفها لأشيائي الثمينة . بدون مبالغة انتقل من نافذة الى اخرى في السيارة وهي تسير لكي لا يفوتني منظر أو حركة.
وأتأمّل شوارعها ومبانيها والقرى فوق رؤوس جبالها صعودًا وهبوطًا والأطفال الباعة والرعاة على طرقاتها والكل يُرحّب ويبتسم للصورة مع زخات المطر والأجواء الحالمة وكأنني عبرت بوابة الزمن حيث زمان آخر ثري بالجمال والفطرة. وأصبحنا نحرص كل سنة على زيارتها عدّة مرّات وفي أوقات مختلفة من 5 إلى 6 مرات وقضينا الصيف بها 4 مرات وقضينا شهر رمضان في اليمن مرتين، أما عن تجربة الذهاب إلى محافظة صعدة فتعود إلى شهر يوليو 2012 حيث قررت أن أخوض تجربة زيارة اليمن في ظل الأحداث التي تموج به، وسبقني زوجي إلى هناك ليطلع على الأجواء إن كانت آمنة. ولما علم برغبتي الشديدة في اللحاق به نصحه المقربون بعدم السماح لي بالسفر حفاظًا على سلامتي، ولكنني كنت مصرّة جدًّا وفور موافقته كنت قد حجزت على أول طائرة في طريقي إلى اليمن.
> وما هو الهدف من هذه الزيارة؟
- في الحقيقة أنا أعتزم تنظيم معرض خاص لأعمالي عن اليمن قريبًا في المؤسسة العامة للحي الثقافي"كتارا" وتحدّد له موعد مبدئي وهو مايو 2013 المقبل بإذن الله، كما ستتم طباعة هذه الأعمال في كتاب بالتعاون مع كتارا، وكانت قد بقيت لي أربع مناطق مهمة لم أزرها بعد في اليمن وهي: صعدة وحجة وبعض المواقع في الجنوب وجزيرة سقطرى ولما كان هذا الكتاب سيتضمّن اليمن بشكل عام حرصت على زيارة الأماكن التي لم أزرها، وأتمنّى من الله العلي القدير أن يوفقني بعدها للمرحلة المقبلة لعمل كتاب لكل منطقة على حدة وبشكل تفصيلي.
> حدّثينا عن الطريق إلى صعدة؟
- محافظة صعدة تقع في الجزء الشمالي من الجمهورية اليمنية إذ يبعد مركزها الإداري عن العاصمة صنعاء شمالاً بحوالي ( 243 كيلومترًا)، وهي قديمة حيث ذكر اسم صعدة في نقوش يعود تاريخها إلى القرن الثالث الميلادي، وكانت وما زالت محطة مهمة على طريق التجارة الممتد من جنوب اليمن عبر مكة إلى بلاد الشام، وتتميّز مدينة صعدة القديمة بسورها المبني من الطين والذي يعود تاريخ بنائه عام 965 هجريًّا ولهذا السور خمسة أبواب وبها من المناظر الخلابة ما يأسر القلوب ولهذا حرصت على زيارتها، وفي الحقيقة الطريق إليها كان غاية في الصعوبة حيث تكثر نقاط المراقبة والتي لا تسمح بخروج أي أجنبي أو غير يمني خارج العاصمه تفاديًا للمشاكل الأمنية وحرصًا على سلامتهم.
وكان الموضوع يحتاج أمرين: الاول عبور مسافة تحتاج لأربع ساعات تتخللها نقاط مراقبه عسكريه وكذلك (تقاطعات قبلية ) يحكمها رجال مسلحون من القبائل على الطريق بينها نزاعات خاصة ويجب أن نعبرها خلال النهار لتجنب قطاع الطرق والثاني موافقة وتصريح لدخول صعدة من الحوثيين، والحمد لله ونظرًا لقيمة المرأة عند اليمنيين فقد نجحنا في عبور العديد من نقاط المراقبة بمجرد علمهم أن هذه السيارة بها امرأة، ولكن كان لا بدّ من إيجاد طريقة لتأمين حمايتنا داخل صعدة وبعد اتصالات عديدة بين صاحبنا ومرافقنا عبدالإله الصعدي وزوجي بالأمير الشيخ أحمد بن حسن الأمير وعبدالله بن حسن الأمير شيوخ مشايخ مأرب اللذين نجحا في الاتصال بالشيخ عبدالكريم الحوثي وهو أحد أبرز وجهاء قبائل صعدة حصلنا على وعد بأن يسمح لنا بالدخول في أمان، ووصلنا في المغرب وظللنا في الفندق للساعة الثانية عشرة ظهر اليوم التالي بانتظار المقابلة والحصول على تصريح بالتصوير، وبالفعل قابلنا السيد عبدالكريم في مكتبه وأحسن وفادتنا واستقبالنا، وشرحنا له أننا لسنا صحفيين ولا سياسيين ولكننا نحب اليمن وبصدد ادراج صور للمدينة في المعرض والكتاب، فرحّب وأمر بأن يكون معنا مرافق للتصوير في "صعدة" وبهذا أعتبر انا أول سيدة تدخل بهدف التصوير بعد الحرب السادسة إلى صعدة بموافقة الحوثيين.
> وماذا شاهدت في "صعدة" وما هو انطباعك الأول عنها؟
- للأسف الوضع هناك بائس جدًّا والأوضاع صعبة للغاية، فالحرب دمّرت المباني والمنشآت ولا تُوجد كهرباء إلا ساعات قليلة ليلا، وبها إجراءات أمنية مشددة وينتشر بها الكثير من الاعلانات التي تقول ان الاجراءات الامنية لحمايتكم اي لكم وليست عليكم. اما داخل سور صعدة القديمة فشاهدنا آثار الدمار الذي طال المدينة التي تحتوي على 26 مسجدًا عدد كبير منها تساوت بالأرض رغم كونها أثرية مدرجة في قائمة اليونسكو للتراث، الا ان الحرب دمرت كثيرا منها ودمرت نصف مساكن أهل البلدة الذين يسكنون فيما تبقى من المنازل، ولا يستطيع زائر لليمن أن يخفي دهشته من عمارة المباني ذات طوابق متعددة مبنية من الطين وحول نوافذها زخارف من الجبس في غاية الجمال. كما لاحظت انه اثناء الحرب انتشرت اللوحات الجدارية التي تحمل عبارات وكتابات تُعبّر عن أراء الناس بشكل ملحوظ والتي تعكس رأي الشعب وثورته على الأوضاع.
> وهل كان الناس يتقبلون فكرة أنك مصورة في بلادهم؟
- خلال تجولنا والتقاط الصور كان الناس يظنون أننا تابعين لأحد مشاريع الإعمار والكل يتسابق ويحاول ان يرشدنا لما خلفه الدمار وماذا كان هنا بالأمس من معالم محيت على يد الأسلحة الهوجاء وكان كثير من الناس يطلب منا أن ننقل صورة ما يحدث لصعدة إلى العالم.ومن حسن الحظ تصادف وجود لجنة من لجان إعادة إعمار اليمن مع زيارتنا وهو ما سهّل مهمّتنا بعض الشيء، وكان علينا ان ننتهي سريعًا من مهمّتنا حتى نتمكّن من العودة قبل الليل.
> وهل قابلتكم عقبات أو مشاكل كبيرة في هذه الرحلة؟
- الرحلة برمّتها محفوفة بالمخاطر فالقلق كبير خصوصًا في ظل الأجواء السياسية المتوترة، ولكن بعد أن ودّعنا المرافق الذي صاحبنا إلى مشارف صعدة شاهدت على مقربة تجمع فتيات صغيرات وكالعادة فتحت نافذة السيارة ورفعت الكاميرا لالتقط لهن صورة وإذا بهن يصرخن ويركضن ليختبئن خلف الجدران والأشجار بشكل هستيري ما دفعنا للتحرّك بعيدًا خوفًا من المسلحين والذين كانوا يتمركزون تحت الجدار، من هول الموقف لم نستوعب ما حصل إلا حين ابتعدنا لقد ظنّوا أن الكاميرا سلاح موجّه لهن وكم كانت تلك اللحظة مؤلمة لي جدًّا، فهل وصل الحال لهذه الدرجة بعد ان كان الاطفال يتهاتفون ويحيطون بنا في كل مكان بابتساماتهم وعفويتهم باتوا يرتجفون من أي شيء ويخافون من أي شخص بسبب الحرب.
> هل تمكنت بالفعل من التقاط صور لمنزل الشيخ الأحمر الذي تعرض للقصف؟
- أنا أحرص على تسجيل لقطات لكل الماكن التي أذهب إليها ونحن كنا في صنعاء وتحديدا في منطقة الحصبة وما حولها وكانت هناك آثار الدمار واضحة ولكي التقط الصور كان لزامًا عليّ أن أحصل على موافقة وتمّت اتصالات مكثّفة لضمان عدم التعرّض لنا بالأذى أثناء التصوير والحمد لله حصلنا على تصريح ومرافق من جماعة أسرة الأحمر ليُرشدنا للأماكن المقصوفة في المدينة وبعدها دخلنا بيت المرحوم عبدالله الأحمر وصورت المبنى والمجلس الذي قصف أثناء تجمع شيوخ القبائل يومها، ومنزل عبدالله الأحمر الذي تمّ تدميره وهو في منطقة اسمها الحصبة وتسكنها عائلة الأحمر وهذه المنطقة ممنوع دخولها لأي شخص، وصوّرنا البيت الكبير الذي حدث به قصف أثناء اجتماعهم، والتقينا هاشم عبدالله الأحمر أحد أبناء الشيخ عبدالله، ولولا ضيق الوقت لكنا قابلنا السيد صادق الأحمر وانا أشكرهم جزيلاً لأنهم تعاونوا معنا على أقصى درجة.
> ما هي العناصر التي ركّزتِ على التقاط صورها بشكل اكثر تركيزا؟
- عند دخولي إحدى القرى وكما قلت سابقًا أول من يستقبلني أحباب الله الاطفال ومن ثم كبار السن عند الحوانيت أو بين الاطفال لذلك أبدًا بالبورتريه، وبعد التقاط الصور وهدوء الاطفال ابدأ في التركيز على المباني والبيوت ونوافذها وابوابها المميزة والمتنوّعة والمساجد، وأضطر غالبًا لزيارة المكان عدّة مرات للتركيز على مافاتني أو لم أرض عن نتائج تصويره وأحرص على تغيير الوقت خلال السنة واليوم وحالة الطقس للحصول على نتائج متنوعة وجيدة، أمّا خلال تجوالنا وتحرّكنا من منطقة لأخرى أركز على المناظر الطبيعية والقرى على رؤوس الجبال بالاضافة لكل ما نُشاهده على الطريق من الحياة العامة المزارعين الرعاة المحاصيل على جنبات الطريق يبيعها الاطفال واغلبها يكون التصوير اثناء سير السيارة.
> ما نوع العدسة التي تستخدمينها؟
- أستخدم حاليًا كانون 5 دي مارك 2 وعدسات مختلفة وغالبًا العدسة الشاملة 24- 105.
> من وجهة نظرك ما هو التحدّي الأبرز الذي تُواجهه اليمن؟
- التحدّي الأكبر هو وضع دستور مدني توافقي يتناسب مع الوضع الاجتماعي في اليمن، وتعاون العقول المفكرة في المجتمع ووضع خطة طويلة الامد للرقي والوعي بالمواطن اليمني من عدّة نواحٍ مثل العلمي والصحي والاقتصادي، اليمن من البلدان التي لديها كل مقوّمات الاكتفاء الذاتي.
> بالطبع هناك ذكريات عالقة في ذهنك خلال زياراتك المتكرّرة لليمن حدثينا عن بعض منه؟
- أذكر أثناء تصويري في "ثلأ" في عام 2006 صورت طفلة جميلة لا تتعدّى خمس سنوات كانت تُلاحقني لتعرض عليّ أحجار العقيق في علبتها الصغيرة وفي 2007 وجدت نفس الطفلة وكما هي عادتي أوزّع الصور التي التقطتها سابقًا على أصحابها وكم كانت وفرحتهم حين يشاهدونها وكم هي فرحتي بعدد من هم على استعداد للتصوير، وأخذت أحلام صورتها والتقطت لها صورة ثانية وهكذا توالت السنوات وتوالت الالتقاطات بنفس الأسلوب وكانت أحلام تكبر ولا تزال علبة الأحجار صغيرة في يدها، وكذلك أذكر موقف لأمير ابن مدينة حبابة حين قال لي: أنا زعلان منك ! وذلك لأنني لم أكتب اسمه واسمي خلف صورته السنة الماضية مثل أصحابه، والعديد من المواقف التي لا تنسى والمناطق الساحرة.