قياسا بجولات سابقة لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن جمال بن عمر، بدت جولته الأخيرة التي استهدفت حشد الفرقاء السياسيين لاستكمال تنفيذ المبادرة الخليجية، محاصرة بتعقيدات حملته تاليا على تجاوز تداعيات أمنية وسياسية كبيرة، والعودة إلى خطة أولويات المرحلة الانتقالية الثانية التي كان حددها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2051 .
وأرغمت تعقيدات مستجدة في المشهد اليمني المبعوث الأممي الذي غادر صنعاء أمس السبت، على إعادة صوغ الخطة الأممية بقليل من التفاصيل خصوصا انها مسلحة بقرارات مجلس الأمن التي نصت بوضوح على وضع أي أشخاص أو جهات سياسية تعيق مسار التسوية تحت طائلة العقوبات الدولية، ما فسر دعوته الحاسمة إلى عقد مؤتمر الحوار وتجاهل مطالب قوى المعارضة بتأليف لجنة معنية بتفسير المبادرة الخليجية، والاعلان عن موقف دولي أكثر حزماً لوقف جرائم وتدخلات النظام السابق .
ورغم التفاؤل الذي أبداه ابن عمر حيال مسار التسوية إلا أن بيانه الأخير كشف عن مخاوف من انزلاق اليمن نحو الصراع المسلح بعد الشوط الكبير الذي قطعه في العملية السياسية للتسوية . وعوض حشر الجهد الدولي في مأزق جديد، لم تلفت رؤية ابن عمر إلى التعقيدات الجديدة في المشهد اليمني، واتجهت إلى حشد قطبي المعادلة السياسية فى المعارضة وأركان النظام السابق، نحو طريق الحل السياسي فيما بدا محاولة إلى دفع هؤلاء إلى ساحة مارثون جديد لاختبار النيات.
وينتظر أن يفضي مؤتمر الحوار الوطني إلى دستور توافقي جديد يحدد شكل النظام السياسي وترتيبات سياسية وقانونية لتنظيم أول انتخابات برلمانية ورئاسية ليمن ما بعد الثورة بإشراف لجنة عليا توافقية وسجلات جديدة للناخبين .
لكن المبعوث الأممي وضع خطة هيكلة الجيش في الترتيب الثاني أو متداخلة مع خطوة مؤتمر الحوار الوطني، كما شدد على إصدار قانون العدالة الانتقالية الموازي لقانون الحصانة الذي أتاحه اتفاق التسوية الخليجي للرئيس السابق وأركان نظامه.
لم يخف هذا الترتيب تعقيدات أربكت الوسطاء الدوليين، بل وعززت من قناعتهم بعدم القدرة على التعاطي مع المشهد السياسي اليمني المعقد، سوى من طريق التسريع بعقد مؤتمر الحوار الوطني أملا في توافق على دستور جديد يحدد شكل النظام السياسي القادم، ويتيح حلولا لأكثر المشكلات اليمنية تعقيدا، بما في ذلك القضية الجنوبية، ودورات العنف في صعدة، وترميم جراحات الثورة بما يضمن عملية انتقال سياسي كامل ومنظم للسلطة تحافظ على الخيار السلمي حتى النهاية.
بلغة سياسية حذرة تجاهل بيان المبعوث الأممي تفاعلات مهمة في المشهد السياسي والأمني، واختار الطريق والأسهل بوضع سائر فرقاء الأزمة أمام امتحان نيات عسير بدا أنه مطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى لإثبات قدرتهم في صوغ الحلول السلمية التوافقية لتجاوز أكثر عقبات التسوية صعوبة.
فمؤتمر الحوار الوطني لا يزال يواجه تحديات في مستوى التمثيل بعدما أعلنت بعض مكونات الحراك الجنوبي الانخراط فيما سمته معركة تقرير المصير وعدم المشاركة في هذا المؤتمر الذي يعول عليه لوضع حلول جذرية وعادلة للقضية الجنوبية وكذلك تركة الحروب الدامية في صعدة.
كما أن قوى المعارضة تشترط إطلاق عملية هيكلة الجيش للتعاطي بايجابية مع مؤتمر الحوار الوطني، في موقف لا يزال يراوح مكانه بعدما أخفقت جهود المبعوث الأممي في إنتاج موقف مغاير خصوصاً مع إصرار المعارضة على تقليم أظافر النظام السابق في مؤسستي الجيش والأمن وإنهاء حال الانقسام في صفوفه ولا سيما بعدما أدى استمرار هذا الوضع إلى تشجيع فلول النظام السابق على إعادة أجواء التوتر السابقة بأشكال مختلفة.
تقديرات الخبراء ترجح أن يكون ملف هيكلة الجيش من أكثر الملفات سخونة خصوصا في ظل الخلافات بشأن أولويات الهيكلة، وأكثر من ذلك أزمة الثقة بين قوى المعارضة وأركان النظام السابق من جهة وقوى المعارضة والحكومة والرئيس الانتقالي من جهة ثانية.
الحال مع قانون العدالة الانتقالية لا يبدو مختلفاً إذ لا يزال المشروع موضع خلاف عاصف بين المعارضة وأركان النظام السابق الذين عرقلوا صدوره استنادا إلى كونهم طرفاً رئيساً في معادلة التغيير، مدعومين بنفوذهم الضارب في نصف مؤسستي الجيش والأمن ونصف الحقائب الوزارية في الحكومة الانتقالية وفي أغلبية مقاعد مجلسي النواب والشورى وأكثرية المجالس البلدية. وقياسا بدعم كبير من قوى المعارضة للمصادقة على مشروع قانون العدالة الانتقالية الذي يعد تشريعاً موازياً لقانون الحصانة الذي اتاحته المبادرة الخليجية لرئيس وأركان النظام السابق، يتحفظ حزب المؤتمر بزعامة الرئيس السابق على التوجهات الدولية المؤيدة لإصدار القانون خصوصا وهي تدعم بقوة فكرة وجوب محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الإنسانية وإجراء تحقيق شامل ومستقل ومحايد مستوفٍ للمعايير الدولية في شأن الانتهاكات التي حصلت خلال عام الثورة 2011 والتي لا تزال تتصدر مطالب الشارع الثوري وقوى المعارضة.