يعيش جميل محمد قائد أجمل لحظات عمره هذه الأيام وهو يقضي "شهر العسل", بعد أسبوع على زواجه الذي كان حلما تحول ظروفه المادية ووضعه الاجتماعي دون تحقيقه وتكوين أسرة صغيرة في المستقبل.
وقد تشارك جميل (23 عاما)، الأسبوع الماضي، الفرحة مع 350 عريسا وعروسة من عمال النظافة في عرس جماعي هو الأول من نوعه لمواطنين من طبقة المهمشين المنبوذة اجتماعيا, برعاية مشتركة من نقابة البلديات والإسكان وأمانة العاصمة صنعاء.
يقول جميل -الذي يدرس الإعلام بجامعة صنعاء- إن فرحته بزواجه لا توصف بعد إزاحة هم كبير من فوقه كان يؤرقه لعدم مقدرته على الزواج في ظل تدني راتبه الذي لا يتجاوز 26 ألف ريال يمني (125 دولاراً).
ويرى جميل أن العرس الجماعي كسر نوعا ما حاجز التهميش الذي لحق بهذه الشريحة من قبل الدولة والمجتمع على حد سواء, ولا سيما بعد رعايته رسميا ومشاركة شخصيات مختلفة العرسان أفراحهم للمرة الأولى في حياة هذه الطبقة.
لكن رغم هذا يؤكد جميل أن النظرة الدونية والتهميش وتعمد إبقائهم في محيط معزول اجتماعيا لم تنته بعد، ولا تزال هي الثقافة السائدة، وهذا يحتاج جهدا ووقتا لإزالتها على أن تكون البداية من الاعتراف بهم كمواطنين، لهم حقوق وعليهم واجبات مثل غيرهم.
ولم يكن اختيار جميل دراسة الإعلام لقناعة داخلية فقط, وإنما محاولة منه لكسر حاجز العزلة والمنع في تناول قضيتهم من قبل وسائل الإعلام، وحتى يكون صوتاً معبراً عنهم في كل الأحوال.
تغيير للأفضل
وقد أعادت ثورة 11 فبراير/شباط 2011 قضية دمج المهمشين في المجتمع إلى العلن بعد عقود من النسيان والتجاهل، ليتم اختيار ممثل عنهم في مؤتمر الحوار الوطني وتتم مناقشة وضعهم ضمن مشاكل البلاد لأول مرة.
ويعتبر المهمشون الذين يتميزون بملامحهم الأفريقية وبشرتهم السمراء من أدنى الطبقات الاجتماعية في البلاد, ويتعرض أبناء هذه الفئة -الذين تقدر إحصاءات غير رسمية أعدادهم بقرابة مليون ونصف المليون- للتمييز الاجتماعي والعنف وغياب الحقوق مما جعلهم يعيشون في عزلة عن بقية أفراد المجتمع.
ويقيم هؤلاء في الأحياء العشوائية الفقيرة والمعزولة التي تفتقر للماء والكهرباء، معتمدين في دخلهم على العمل بمهن مثل تنظيف الشوارع وغسل السيارات والصرف الصحي، وتكاد الوظيفة الحكومية المتاحة لهم تنحصر في العمل كعمال في البلديات.
ويعوّل رئيس نقابة البلديات والإسكان محمد المرزوقي كثيراً على فكرة الزواج الجماعي كإحدى الخطوات العملية لإدماج المهمشين والتعايش في أوساط المجتمع مثل بقية المواطنين.
وأشار إلى أن تكاليف العرس بلغت 31 مليون ريال يمني، تكفلت الجهات الرسمية بالنصيب الأكبر منه وتم منح كل عريس مبلغ ثمانين ألف ريال يمني (380 دولارا).
خطوة إيجابية
من جانبه, أكد د. حمود العودي -أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء- أن مثل هذا العرس ورعاية الدولة له ومشاركة شخصيات في المجتمع أفراح العرسان من الخطوات الإيجابية، التي تساهم في إزالة ما بقي من عوائق لدى المجتمع في نظرته لهذه الفئة وتعزز من فرص إدماجهم بشكل طبيعي.
ولخص العودي -في حديث للجزيرة نت- عوائق إدماج المهمشين بمختلف أنواعهم بوجود وعي أقرب للعُقد النفسية لدى أبناء هذه الفئة بأنهم مهمشون وغير مرغوب فيهم، نتيجة ما وقع عليهم من ظلم في الماضي, فضلا عن النظرة الدونية للمجتمع نفسه لهؤلاء واستمراره، وإن بشكل أقل مما كان في تهميشهم وعزلهم.
ولتجاوز ذلك اقترح تغيير النظرة من الطرفين تجاه بعضهما وتفعيل الإرادة السياسية على مستوى تغيير الخطاب التربوي والإعلامي لصالح تكريس ثقافة رفض أشكال التهميش والدعوة للمساواة والتعايش دون تمييز.