ثمان سنوات من التخطيط الاستراتيجي تتبخر بإعلان واحد: السودان يسدل الستار على حلم روسيا في إقامة أول قاعدة بحرية أفريقية لها، في قرار صادم يعيد تشكيل موازين القوى في البحر الأحمر.
كشف الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني، خلال مباحثاته مع المملكة العربية السعودية، عن تجميد نهائي لمشروع القاعدة الروسية على الساحل السوداني. وأكدت مصادر عسكرية لصحيفة Sudan Tribune أن البرهان شدد على وقف أي محاولات لتفعيل الاتفاق، معلناً في الوقت ذاته عن استعدادات لمرحلة ما بعد الحرب.
مشروع بحجم الأحلام الجيوسياسية: كان من المقرر أن تستضيف بورتسودان 300 عسكري روسي وأربع سفن حربية لمدة 25 عاماً، في صفقة تمنح موسكو موطئ قدم استراتيجياً يسيطر على ممر تجاري حيوي يخدم 25% من التجارة العالمية، مقابل تزويد الخرطوم بأسلحة ومعدات عسكرية متطورة.
يعود أصل هذا الحلم الاستراتيجي إلى عهد الرئيس المخلوع عمر البشير عام 2017، لكن الاتفاق ظل حبيس الأدراج بعد ثورة 2019 والفترة الانتقالية العاصفة التي تلتها. الصراع المدمر بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع أجهض أي فرصة للتصديق الرسمي على الاتفاق.
ضغوط دولية ومقاومة إقليمية:
- دول البحر الأحمر تقود معارضة شرسة للوجود العسكري الروسي
- الضغط الأمريكي والأوروبي على الخرطوم يتصاعد لإيقاف المشروع
- السفير الروسي أندريه تشيرنوفول يعترف لوكالة RIA Novosti بتأجيل المشروع بسبب النزاع المسلح
لماذا البحر الأحمر؟ روسيا تسعى بيأس لتعويض الخسارة المحتملة لقاعدة طرطوس في المتوسط بعد سقوط نظام الأسد، والبحر الأحمر يمثل شريان الحياة للتجارة بين آسيا وأفريقيا وأوروبا. زيارات المسؤولين الروس لبورتسودان في الأشهر الأخيرة تكشف حرص موسكو على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من استثماراتها الاستراتيجية.
تحول مثير في التحالفات: روسيا غيرت جلدها من دعم قوات الدعم السريع إلى مناصرة الجيش السوداني، في محاولة يائسة للحفاظ على مصالحها في المنطقة.
هذا التعليق يطرح أسئلة مصيرية: هل تمكنت الدبلوماسية الخليجية من توجيه ضربة قاضية للطموحات الروسية؟ وإلى أين ستتجه موسكو الآن بحثاً عن بديل استراتيجي قد يكون في إريتريا أو جيبوتي؟