في تطور صادم هز الأسواق المحلية، سجلت أسعار الذهب في اليمن فارقاً خيالياً بلغ 203% بين شطري البلاد، حيث وصل سعر الجرام عيار 21 إلى 196 ألف ريال في عدن مقابل 64.5 ألف ريال فقط في صنعاء - فارق يساوي راتب موظف حكومي لشهرين كاملين. هذا التباين الجنوني، الذي يحدث للمرة الأولى في تاريخ البلاد، يعكس عمق الأزمة الاقتصادية التي تضع اليمنيين أمام واقع مرير: بلد واحد.. عملتان.. وأحلام مؤجلة.
وسط هذه الأرقام المذهلة، يحكي أحمد العدني، موظف براتب 100 ألف ريال شهرياً، قصة مؤلمة: "كنت أحلم بشراء خاتم ذهب لخطيبتي، لكن اكتشفت أن سعر الجرام الواحد يساوي راتبي لشهرين!" في المقابل، استطاع سالم التاجر تحقيق أرباح استثنائية من المراجحة بين الشطرين، مؤكداً أن "هذا الفارق فرصة ذهبية لمن يملك رأس المال والجرأة". وبينما سجل الذهب عالمياً مستوى قياسياً عند 4242 دولار للأوقية، تبدو الأسواق اليمنية وكأنها تعيش في عالمين منفصلين.
الخلفية وراء هذا التباين الصادم تعود إلى أزمة الحرب اليمنية منذ 2014 وما تبعها من انقسام سياسي واقتصادي حاد. انهيار قيمة الريال اليمني، خاصة في المناطق الجنوبية، دفع المواطنين للبحث عن ملاذات آمنة كالذهب، مما زاد الطلب وأدى لارتفاع جنوني في الأسعار. د. محمد الصراف، خبير اقتصادي، يؤكد أن "هذا التباين يشبه ما حدث بين ألمانيا الشرقية والغربية، لكن الفارق هنا أكثر درامية وتأثيراً على الحياة اليومية". التوقعات تشير إلى استمرار هذا الوضع ما لم تحدث معجزة سياسية تؤدي لتوحيد العملة.
هذا الفارق الجنوني لم يعد مجرد أرقام، بل أصبح يؤثر على أدق تفاصيل الحياة اليمنية. فاطمة الصائغة تروي بحزن: "زبائني يأتون ليشتروا ذهباً لبناتهم المقبلات على الزواج، لكنهم ينصرفون وقد غمر اليأس وجوههم". النتيجة المتوقعة مؤلمة: تآكل التقاليد الاجتماعية وعجز الطبقة المتوسطة عن المشاركة في المناسبات السعيدة. الخبراء يحذرون من أن هذا التباين قد يدفع لمزيد من النشاط التهريبي بين الشطرين، بينما يرى البعض فيه فرصة للاستثمار طويل المدى كحماية من التضخم المتفاقم.
في ظل هذا الواقع المرير، يبدو السؤال الأهم ليس متى ستنخفض أسعار الذهب، بل متى ستتوحد هذه الأسعار.. وهل ستتوحد البلاد؟ الأرقام اليوم تحكي قصة بلد مُزق، لكنها أيضاً تحمل رسالة أمل: أن الذهب، رمز الثبات والقيمة، قد يكون الجسر الذي يعيد توحيد ما فرقته السياسة. المستقبل يحمل تقلبات أكثر، لكن الحل الحقيقي يكمن في إرادة سياسية صادقة لإنهاء معاناة شعب يستحق الاستقرار والوحدة.