في تطور صادم يُظهر عمق المأساة اليمنية، كشفت وكالة فرانس برس عن حقيقة مرعبة تعيشها مدينة عدن الساحلية: موظف حكومي يتقاضى راتباً شهرياً لا يتجاوز 130 ألف ريال يمني، بينما يواجه إيجار منزل يصل إلى 170 ألف ريال. هذا التفاوت الصادم ليس مجرد أرقام، بل صورة حية لانهيار اقتصادي يطحن 65% من الشعب اليمني الذي بات يحتاج مساعدات إنسانية للبقاء على قيد الحياة.
محمد من حي كريتر يختصر مأساة مدينة بأكملها في جملة واحدة: "أستخدم الإنترنت بينما أعيش في ظلام شبه دائم نتيجة الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي". المشهد المرعب لا يتوقف عند الظلام الذي يخيم على المدينة؛ أصوات المولدات الكهربائية تملأ الشوارع، بينما تتقاسم العائلات والنازحون كميات محدودة من المياه والكهرباء. أطفال فاطمة الأربعة يعتمدون على بسكويت الأمم المتحدة كوجبة فطور أساسية، في مؤشر خطير على تآكل الأمن الغذائي الذي يضع 4.8 مليون نازح داخلي في حالة طوارئ مستمرة.
المأساة تضرب بجذورها عميقاً في تاريخ صراع دموي حوّل عدن من ميناء تجاري مزدهر على بحر العرب إلى مدينة منكوبة تشبه برلين بعد الحرب العالمية الثانية. موجات النزوح الداخلية المتتالية فاقمت الضغط على بنية خدمية هشة أصلاً، فيما تجوب شاحنات نقل المياه الشوارع في محاولة يائسة لسد احتياجات يومية أساسية. إحصاءات الأمم المتحدة تؤكد أن نحو 19.5 مليون يمني - أي أكثر من نصف السكان - بحاجة إلى مساعدات إنسانية، رقم يساوي مجموع سكان الكويت والبحرين وقطر معاً.
التأثير المدمر يتسلل إلى تفاصيل الحياة اليومية بطرق لا تُحتمل: كشافات الطوارئ تضيء النوافذ في مشهد مؤلم، رائحة الديزل من المولدات تملأ الأجواء، والحر الخانق بدون مكيفات يحول المنازل إلى أفران حقيقية. أحمد المتطوع الذي يدير مولداً كهربائياً صغيراً لخدمة 20 عائلة مجاناً يمثل بصيص أمل وسط كارثة إنسانية بلا حدود. الخبراء يحذرون من سيناريو أسود: تحول عدن إلى مدينة أشباح إذا استمر التدهور بهذا المعدل المرعب، بينما تتصاعد المخاوف من موجة هجرة جماعية جديدة قد تشمل ما تبقى من سكان المدينة.
عدن تحتضر أمام أعيننا، والسؤال المؤلم الذي يطرح نفسه بإلحاح: كم من الوقت يمكن لشعب كامل أن يعيش بلا كهرباء ولا ماء ولا أمل؟ الحاجة الماسة لتدخل دولي عاجل ودعم المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن لم تعد مجرد توصية، بل ضرورة حتمية لمنع كارثة إنسانية قد تطمس مدينة كاملة من خريطة العالم إلى الأبد.