في تطور صادم يهز مجتمع المقيمين في المملكة، تحولت رؤية العائلة إلى ترف يقتصر على أصحاب الجيوب العميقة، حيث بلغت رسوم التأشيرة العائلية الجديدة 8000 ريال لعامين كاملين - مبلغ يعادل راتب عامل لأكثر من شهرين ونصف. مع بداية العام الهجري 1447، تواجه 2.2 مليون أسرة معادلة مؤلمة بين الشوق والقدرة المالية، في قرار قد يحدد مصير الروابط العائلية لسنوات قادمة.
أحمد المصري، عامل صيانة يبلغ من العمر 42 عاماً ويتقاضى راتباً شهرياً قدره 3000 ريال، يروي معاناته بصوت متهدج: "منذ عامين لم أرَ أطفالي، والآن أدركت أن الرسوم الجديدة ستحرمني منهم لسنوات أخرى". المشهد يتكرر في آلاف البيوت، حيث تحولت شاشات الهواتف المحمولة إلى نوافذ حزن تعرض أرقاماً مدمرة للأحلام العائلية. فاطمة الهندية، المحاسبة التي نجحت في استقدام والدها المريض، تؤكد أن النظام الرقمي الجديد سهل الإجراءات خلال أسبوع واحد فقط، لكنها تعترف أن التكلفة كادت تدفعها للتخلي عن الفكرة تماماً.
يأتي هذا التغيير كجزء من رؤية 2030 لتنظيم تدفقات الهجرة وزيادة الإيرادات الحكومية، في خطوة تذكرنا بأزمة رسوم المرافقين عام 2017 التي أدت لهجرة عكسية لمئات الآلاف من العائلات. الدكتور محمد العمري، خبير قوانين الهجرة بجامعة الملك سعود، يحذر قائلاً: "هذه الرسوم تحول كل لقاء عائلي إلى استثمار مالي ضخم، مثل شراء سيارة صغيرة لمجرد احتضان الأطفال". الخبراء يتوقعون انخفاضاً حاداً في طلبات التأشيرات الطويلة، مع نمو محتمل في القروض الشخصية بنسبة 200% لتمويل هذه النفقات الطارئة.
في الدمام، يصف سعد الفلبيني، السائق الذي أجبرته الظروف على تأجيل زيارة والدته المسنة للمرة الثالثة، كيف تحول مذاق الطعام في فمه إلى مرارة عندما أدرك أن راتبه كاملاً لن يكفي للرسوم والنفقات. الآن تشهد البيوت مشاهد مؤلمة: عائلات تلغي خطط الترفيه، وعمال يبحثون عن وظائف إضافية في المساء، ومكالمات هاتفية محرجة لإبلاغ الأهل بتأجيل الزيارات "إلى إشعار آخر". النظام الرقمي الجديد وعد بمعالجة الطلبات خلال 3-7 أيام فقط مقارنة بشهور سابقاً، لكن السرعة في الخدمة لم تخفف من بطء توفير المال المطلوب.
مع هذا الواقع المرير، يواجه 2.2 مليون مقيم خيارات صعبة: إما القبول بالحرمان العائلي، أو الدخول في دوامة ديون قد تدمر مستقبلهم المالي. النصائح العملية تدعو للتخطيط المسبق ووضع خطط ادخار طويلة المدى، لكن هل سيجد الحنين طريقاً للتغلب على حاجز الـ8000 ريال، أم أن رؤية الأهل ستصبح حلماً بعيد المنال لملايين القلوب المشتاقة؟