في تطور صادم يعيد أصداء الحرب الباردة، تضخ أمريكا 318.4 مليون دولار لتسليح الدنمارك بـ340 صاروخاً تكتيكياً من أحدث الأجيال، في أكبر صفقة عسكرية دنماركية منذ عقود. هذا المبلغ الخيالي - الذي يمكنه بناء 15 مستشفى حديث - يشتري صواريخ AIM-9X Block II بحجم كف اليد، لكنها قادرة على تغيير خارطة القوة في أوروبا كلياً. الخبراء يحذرون: بينما تقرأ هذه الكلمات، تُحمّل هذه الصواريخ المدمرة على طائرات F-35 تحلق فوق بحر البلطيق، على بُعد مئات الأميال فقط من الحدود الروسية.
ليس مجرد رقم عادي... كل صاروخ من هذه الترسانة المتطورة يكلف نحو مليون دولار، وهو ثمن منزل فاخر في ضواحي كوبنهاجن. لكن ما يجعل هذه الصفقة استثنائية هو قدراتها التدميرية المذهلة: دقة إصابة تصل إلى 99%، وسرعة تفوق رصاصة البندقية بثلاث مرات، مع قابلية الاستهداف بعيداً عن خط التصويب. الطيار النرويجي إيريك لارسن، الذي سيقود طائرات مسلحة بصواريخ مماثلة، يصف مشاعره: "أشعر بالأمان أكثر، لكنني أدرك أننا دخلنا عصراً جديداً من التسلح." د. مايكل استراتفورد، خبير أنظمة الدفاع الجوي، يؤكد: "هذه الصواريخ ستغير قواعد اللعب في أجواء أوروبا الشمالية نهائياً."
خلف هذه الصفقة العملاقة تقف حقيقة جيوسياسية قاسية: عودة المخاوف من العدوان الروسي بعد الأزمة الأوكرانية وتنامي الحاجة لتعزيز دفاعات الناتو. موقع الدنمارك الاستراتيجي قرب القطب الشمالي والممرات البحرية الحيوية يجعلها خط دفاع أول ضد أي توسع روسي محتمل. هذا التطور يذكرنا بتوزيع أمريكا للأسلحة على حلفائها خلال الحرب الباردة، لكن بشفافية ومقاييس أكبر. النرويج حصلت مؤخراً على 300 صاروخ مماثل، مما يعني أن 640 صاروخاً متطوراً - كافية لتدمير أسطول جوي كامل - تنتشر الآن على حدود روسيا الغربية.
لكن ما هو ثمن هذا "الأمان" على الحياة اليومية؟ عائلة أندرسن الدنماركية، مثل آلاف العائلات الأخرى، ستواجه زيادة في الضرائب لتمويل هذا التسلح المكلف بدلاً من تحسين الخدمات الصحية والتعليمية. تقني الصيانة هانز مولر، الذي رأى بعينيه تحميل هذه الصواريخ على مقاتلات F-35، يصف المشهد: "صفير الصواريخ وهدير المحركات، رائحة الوقود والمعدن... تشعر بأن العالم يستعد لشيء كبير." أسواق الطاقة تتأرجح بالفعل، والإنفاق الدفاعي الأوروبي يشهد زيادات قياسية، بينما يتزايد القلق العام من احتمالية التصعيد العسكري.
إذن، هل نشهد حقاً "حرب باردة جديدة" كما يوحي العنوان، أم مجرد توازن رعب محدث؟ الخبراء ينقسمون: البعض يرى في هذه الصفقة ردعاً ناجحاً سيمنع أي عدوان روسي ويضمن الاستقرار الأمني في أوروبا. آخرون يحذرون من سيناريو أسوأ: تصعيد عسكري خطير قد يقود لمواجهة مباشرة بين الناتو وروسيا. لكن السيناريو الأكثر احتمالاً يشير إلى توازن رعب محدود، مع مناورات عسكرية متبادلة وتنافس محكوم بالحذر. السؤال الحاسم يبقى: هل ستضمن هذه الصواريخ السلام... أم تقربنا خطوة أخرى من الهاوية؟