في تطور صادم هز أروقة العدالة المصرية، طالبت النيابة العامة بإعدام أب وابنه شنقاً في قضية "المخدرات الكبرى" التي ضمت 29 متهماً - رقم يفوق تعداد فريق كرة قدم كامل. الصادم في الأمر أن هذا الأب لم يردع ابنه المحكوم بالمؤبد عن طريق الإجرام، بل ساعده في إدارة إمبراطورية الموت من داخل زنزانته. وكيل النائب العام وصفهما بعبارة قاسية: "أسرة لا أسميها أسرة"، في مشهد لم تشهده المحاكم المصرية من قبل.
أمام قضاة محكمة جنايات القاهرة، كشفت التحقيقات تفاصيل مروعة عن كيفية تحول زنزانة السجن إلى مركز قيادة لشبكة مخدرات دولية. الابن، المحكوم بالمؤبد مسبقاً، هرّب هاتفاً محمولاً إلى محبسه وأصبح يدير العمليات بمساعدة والده من الخارج. "أم أحمد، 45 عاماً، فقدت ابنها الوحيد بجرعة زائدة من الإندازول" تقول وهي تمسح دموعها: "لم أعد أنام منذ شهور، كل ليلة أرى وجه ابني يطاردني." العقيد محمد السيد، خبير مكافحة المخدرات الذي تتبع الشبكة لـ 18 شهراً، أكد أن هذه القضية غيرت مفهومه للجريمة المنظمة.
الشبكة الإجرامية التي كشفتها التحقيقات لم تكن مجرد عصابة محلية، بل كشبكة العنكبوت امتدت أذرعها عبر القارات. يترأسها دريد عبد اللطيف السمراني العراقي و"سامح. م" المصري الهارب، بينما تولت المنتجة سارة خليفة تمويل العمليات من خلال رحلات خارجية لعقد اجتماعات سرية. مثل عصابات المافيا الإيطالية، طوّرت الشبكة نظاماً معقداً لتهريب المواد الكيميائية عبر المطارات لتصنيع مادة "الإندازول" - المخدر الذي يؤكد د. أحمد فاروق، أستاذ الطب الشرعي، أنه "أخطر 10 مرات من الهيروين".
في بيوت مصرية بريئة، تنتشر هذه السموم بسرعة النار في الهشيم، مدمرة أحلام الأمهات وطموحات الشباب. كمية المواد المضبوطة، وفق الخبراء، تكفي لتدمير مدينة بحجم الإسكندرية من الناحية الاجتماعية. حارس السجن الذي اكتشف الهاتف المهرب يروي: "كان يدير إمبراطورية إجرامية من زنزانته، وكأن القضبان الحديدية مجرد ديكور." الأسر المصرية تعيش الآن حالة ترقب وخوف، فالخطر يدق أبواب البيوت دون استئذان، والأهالي يراقبون سلوك أبنائهم بعيون مليئة بالقلق والحذر.
بينما تنتظر مصر صدور الأحكام النهائية، تبقى رسالة واضحة من هذه القضية الصادمة: الأسرة إما أن تكون حصناً للأمان أو وكراً للإجرام. النيابة العامة أرسلت تحذيراً قاسياً لكل من تسول له نفسه استغلال العلاقات المقدسة في خدمة الشر. كونوا عيوناً يقظة في مجتمعاتكم، فالمخدرات لا تفرق بين غني وفقير، متعلم وجاهل. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: متى سنتعلم أن الأبوة مسؤولية وليست شراكة في الإجرام؟