في تطور صادم يعيد رسم خريطة التحالفات في الشرق الأوسط، 650 ألف برميل من الذهب الأسود السعودي تكسر حصاراً دام أكثر من عقد، لتدخل للمرة الأولى منذ سنوات ناقلة سعودية المياه السورية محملة بالأمل وبقيمة تتجاوز 130 مليون دولار. هذه اللحظة التاريخية تعلن بداية عهد جديد قد يقلب موازين القوى في المنطقة رأساً على عقب.
مثل شريان الحياة، ضخت السعودية دماً جديداً في عروق الاقتصاد السوري المتعب، حيث رست الناقلة العملاقة في ميناء بانياس وسط مشاهد مؤثرة لعمال سوريين يحتفلون بوصول الإنقاذ. "لم نعد نحلم بهذا اليوم، ظننا أنه لن يأتي أبداً"، يقول أحمد السوري، العامل في إحدى المصافي المتوقفة منذ شهور، وهو ينظر بعيون دامعة إلى الناقلة بطول ملعبين كرة قدم تحمل ثروة سائلة تعادل إنتاج آبار صحراوية كاملة. هذه الدفعة الأولى من إجمالي 1.650 مليون برميل تعكس تنفيذاً مباشراً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين.
خلف هذا الحدث التاريخي قصة معاناة طويلة، فسوريا التي كانت تنتج أكثر من 380 ألف برميل يومياً قبل الأزمة، تراجع إنتاجها إلى أقل من 80 ألف برميل بسبب العقوبات والدمار. الاتفاقية الموقعة في 11 سبتمبر الماضي - في تاريخ له رمزية خاصة - تمثل انقلاباً استراتيجياً في السياسة السعودية تجاه سوريا. "هذه المنحة ستكون نقطة تحول حقيقية في أمن الطاقة السوري"، يؤكد د. محمد العتيبي، محلل الطاقة، مشيراً إلى أن المملكة تعيد ترتيب أولوياتها الإقليمية لتعزيز نفوذها في مواجهة التدخلات الأجنبية.
على أرض الواقع، يترجم وصول هذه الشحنة إلى تحسن فوري في حياة الملايين من السوريين الذين عانوا من انقطاع الكهرباء لساعات طويلة يومياً. 650 ألف برميل تكفي لتشغيل مصفاة كاملة لأسبوعين متواصلين، ما يعني عودة المصانع للعمل وانخفاض أسعار المحروقات في السوق السوداء. كابتن الناقلة السعودية حسام البحري، الذي شهد اللحظة التاريخية لدخول ميناء بانياس، يصف المشهد: "رائحة البترول الخام تملأ الميناء، والعلم السعودي يرفرف فوق الذهب الأسود، بينما العمال السوريون يهتفون بالشكر". هذا التطور يفتح الباب أمام موجة جديدة من الاستثمارات العربية قد تكسر عزلة دامت أكثر من عقد.
مع وصول آخر قطرة من هذه المنحة التاريخية، تعلن المملكة عن عودة قوية للمشهد السوري، مؤكدة أن الأشقاء العرب لن يتركوا سوريا وحيدة في محنتها. هذه المنحة ليست مجرد نفط، بل رسالة واضحة للعالم أن العرب يحلون مشاكل العرب. السؤال الذي يحير المراقبين الآن: هل ستنجح هذه الخطوة الجريئة في إعادة تشكيل خريطة التحالفات في الشرق الأوسط، أم أنها مجرد بداية لصراع نفوذ أكبر؟