في تطور مأساوي يهز الضمير الإنساني، كشف البنك الدولي عن حقيقة صادمة: 19% فقط من أصل 2.5 مليار دولار مطلوبة لمنع مجاعة جماعية في اليمن تم تدبيرها، بينما يتضور أكثر من 60% من الأسر اليمنية جوعاً في أسوأ مستوى تمويل إنساني منذ عقد كامل. الريال اليمني ينهار إلى أعماق سحيقة مسجلاً 2905 ريال للدولار الواحد في رقم قياسي يعكس كارثة اقتصادية تاريخية. كل ساعة تمر دون تدخل عاجل تعني المزيد من المعاناة لملايين الأبرياء، وتفاصيل مرعبة تكشف حجم المأساة الحقيقية.
البنك الدولي يكشف النقاب عن واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث، حيث يواجه الاقتصاد اليمني انهياراً متوقعاً للناتج المحلي بنسبة 1.5% عام 2025. أحمد المحمدي، موظف حكومي من عدن، لم يتلق راتبه منذ 4 أشهر ويقول بصوت متكسر: "أطفالي ينامون جياعاً، وأنا أخجل من النظر في عيونهم". أسعار الطعام ترتفع بمعدل مرعب يصل إلى 26% خلال 6 أشهر فقط، مما يعني أن العائلة التي كانت تنفق 100 ألف ريال على الطعام أصبحت تحتاج 126 ألف ريال لنفس الكمية. إيرادات الحكومة تراجعت بنسبة 30% مقارنة بالعام السابق، تاركة موظفيها دون رواتب والخدمات العامة في حالة شلل تام.
عقد كامل من الصراع المسلح حوّل اليمن إلى "دولة فاشلة" مع انقسام مؤسسي كامل وحرب اقتصادية متواصلة. الحصار المفروض على النفط قطع شريان الحياة الاقتصادي، بينما الضربات الجوية على الموانئ الاستراتيجية دمرت التجارة، والعقوبات المصرفية شلت النظام المالي تماماً. د. محمد العولقي، خبير اقتصادي يمني، يحذر قائلاً: "نحن أمام كارثة اقتصادية لم يشهد التاريخ الحديث مثيلها في المنطقة - حتى ألمانيا ما بعد الحرب العالمية كان لديها أمل في إعادة الإعمار". البنوك تنقل مقراتها من صنعاء إلى عدن هرباً من العقوبات، تاركة ملايين المواطنين دون خدمات مصرفية أساسية.
في مشاهد مؤلمة تتكرر يومياً، تقف النساء ساعات في طوابير الخبز التي قد تنتهي قبل وصولهن، بينما يبيع الآباء ممتلكاتهم الأخيرة لشراء الدواء لأطفالهم المرضى. فاطمة الحميري، أم لخمسة أطفال، تدير مشروعاً صغيراً لبيع الخبز رغم الظروف القاسية وتقول: "أطفالي لا يعرفون طعم اللحم منذ شهور، نعيش على الخبز والشاي فقط". المحلات التجارية تغلق أبوابها يومياً، والشوارع تمتلئ بأصوات الأطفال الذين تركوا المدارس للبحث عن عمل أو طعام. سالم القحطاني، تاجر من صنعاء، يصف المشهد قائلاً: "المحلات تغلق أبوابها يومياً، والناس لا تجد ما تشتري به الخبز". إذا استمرت الأوضاع على هذا المنوال، فسيشهد اليمن أكبر كارثة إنسانية في القرن الواحد والعشرين.
دينا أبو غيدا، مديرة مكتب البنك الدولي في اليمن، تلخص الواقع المرير: "يعتمد تحقيق الاستقرار الاقتصادي في اليمن على تعزيز الأنظمة التي تضمن استمرار الخدمات وحماية سبل العيش". اقتصاد منهار، شعب جائع، مجتمع دولي متردد، ووقت ينفد بسرعة مرعبة. الشهور القادمة ستحدد ما إذا كان اليمن سيكون قصة نجاة أم مأساة تاريخية ستسجل في كتب التاريخ كأحد أكبر إخفاقات الإنسانية. السؤال الذي يحرق الضمير: كم من الوقت يمكن لشعب بأكمله أن يصمد قبل أن ينهار كل شيء؟ وهل سيظل العالم شاهداً صامتاً على هذه المأساة التي تحدث على مرأى ومسمع من الجميع؟