في مشهد صادم يكشف عن مستوى جديد من الإجرام المنظم، تشهد صيدليات صنعاء موجة سرقات متطورة تستهدف مواد طبية تقدر قيمة الواحدة منها بمئات الدولارات، في ظل أزمة اقتصادية خانقة تجعل كل دولار بمثابة كنز ثمين. العصابة المجهولة تحول الطب إلى مسرح جريمة بكلمتين بسيطتين: "زد لي مغذيات" - جملة تبدو بريئة لكنها تخفي وراءها مخططاً شيطانياً يهدد حياة آلاف المرضى الذين يعتمدون على فحوصات الأشعة لتشخيص حالاتهم الحرجة.
تبدأ المأساة عندما يدخل اللص إلى الصيدلية بمظهر المريض العادي، طالباً بهدوء مريب صبغة الأشعة المقطعية - تلك المادة السحرية التي تساوي ثروة صغيرة في بلد مدمر بالحرب. د. محمد الصيدلاني، الذي يحمل خبرة 20 عاماً في المهنة، يصف اللحظة بكلمات مؤثرة: "شاهدت عيني كيف تحولت صيدليتي من مكان للشفاء إلى مسرح جريمة في ثوانٍ معدودة. كانت أذكى حيلة سرقة رأيتها في مسيرتي كلها." وبينما يضع الصيدلاني العبوة الثمينة على الطاولة، يسقط في الفخ المنصوب بعناية، فيطلب اللص بصوت عادي: "زد لي مغذيات" - وهنا تحدث الكارثة.
الحيلة الشيطانية تعتمد على استغلال طبيعة العمل الطبي نفسه، حيث أن المغذيات الوريدية تُحفظ عادة في غرف التخزين الخلفية أو الرفوف البعيدة، مما يضطر الصيدلاني للابتعاد عن مكانه. هذه الثواني القليلة - لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة - تكفي لتحويل حلم المريض إلى كابوس، وتحويل استثمار الصيدلي إلى خسارة فادحة. الظاهرة تذكرنا بحيل اللصوص المحترفين في أسواق بغداد القديمة، لكنها هذه المرة تستهدف أرواح البشر قبل الأموال. د. فاطمة المختصة، التي كانت أول من نشرت التحذير بين زملائها، تقول بحسرة: "إنهم لا يسرقون مالاً فحسب، بل يسرقون الأمل من عيون المرضى."
التأثير المدمر لهذه الجرائم يتجاوز الخسائر المالية إلى ما هو أعمق وأخطر. سارة المريضة، البالغة من العمر 28 عاماً، تروي قصتها المؤلمة: "طفت على ثلاث صيدليات بحثاً عن صبغة الأشعة لإجراء فحص عاجل قبل عمليتي الجراحية، لكن جميعها كانت فارغة بسبب السرقات. أجلت العملية وأنا أعيش في رعب من تفاقم حالتي." هذا المشهد يتكرر يومياً، حيث يقف المرضى المصابون بأورام محتملة أو جلطات خطيرة أمام أبواب صيدليات فارغة من المواد الحيوية، في بلد يبحث فيه الحصول على الدواء عن معجزة بحد ذاتها.
اليوم، وبينما تنتشر موجة الذعر بين صيادلة العاصمة الذين يتواصلون فيما بينهم عبر مجموعات الطوارئ لتبادل التحذيرات، يبرز سؤال مصيري: هل ستتمكن الجهات الأمنية من إيقاف هذه العصابة قبل أن تنتشر حيلتها الشيطانية إلى مناطق أخرى؟ وهل سيدفع المرضى المحتاجون لفحوصات الأشعة الحيوية ثمن هذا الإجرام بأرواحهم؟ في مدينة تحارب من أجل البقاء، أصبح الطب نفسه ميدان معركة جديدة، والسؤال الأخطر: هل ستكون صيدليتك المقبلة... أم ستكون أنت المريض الذي يبحث عن دواء مفقود؟