الرئيسية / شؤون محلية / فجوة الـ1000 ريال: كيف تحول اليمن إلى اقتصادين متناقضين يقلبان حياة المواطنين رأساً على عقب؟
فجوة الـ1000 ريال: كيف تحول اليمن إلى اقتصادين متناقضين يقلبان حياة المواطنين رأساً على عقب؟

فجوة الـ1000 ريال: كيف تحول اليمن إلى اقتصادين متناقضين يقلبان حياة المواطنين رأساً على عقب؟

نشر: verified icon أمجد الحبيشي 04 نوفمبر 2025 الساعة 01:10 مساءاً

تكشف الأرقام الاقتصادية المذهلة عن واقع صادم يعيشه اليمنيون اليوم: فجوة تتجاوز الألف ريال تفصل بين سعر الدولار الواحد في مدينتي عدن وصنعاء، حيث يتداول بـ1633 ريالاً في الأولى مقابل 540 ريالاً فقط في الثانية. هذا التباين الجذري لا يمثل مجرد أرقام على شاشات الصرافة، بل يعكس انقساماً اقتصادياً حاداً حوّل اليمن الواحد إلى اقتصادين متناقضين يقلبان حياة المواطنين رأساً على عقب.

يواجه ملايين اليمنيين واقعاً مؤلماً أشبه بالعيش في بلدين مختلفين تماماً، حيث تختلف القوة الشرائية لنفس المبلغ النقدي بشكل صارخ اعتماداً على الموقع الجغرافي. أحمد المواجه، موظف حكومي وأب لأربعة أطفال، يجسد هذه المعاناة بقوله: "نعيش على الدين منذ شهرين، أطفالي يسألونني متى سنشتري احتياجات المنزل وأنا عاجز عن الإجابة". هذا التصريح المؤثر يلخص حجم الأزمة التي تواجه العائلات اليمنية، حيث يحتاج شراء سلعة بقيمة دولار واحد في المناطق الحكومية إلى دفع أكثر من ثلاثة أضعاف المبلغ المطلوب في المناطق الأخرى.

تمتد هذه الفجوة المدمرة لتشمل العملات الأخرى، حيث يتداول الريال السعودي بـ428 ريالاً يمنياً في المناطق الحكومية مقابل 140.5 ريالاً في المناطق الأخرى، مما يعمق الانقسام الاقتصادي ويخلق واقعاً معيشياً متبايناً بشكل لا يصدق. البيانات الاقتصادية تشير إلى أن الريال اليمني فقد نحو 50% من قيمته خلال الفترة بين 2023 و2025، حيث تراوح سعر الصرف في المناطق الحكومية بين 1000-1200 ريال للدولار عام 2023، بينما وصل إلى مستويات قياسية تجاوزت 2900 ريال في يوليو الماضي قبل أن يستقر عند المستويات الحالية.

يعكس هذا التقلب الحاد عمق الأزمة الاقتصادية المرتبطة بالانقسام السياسي والإداري للبلاد، حيث تتبع السلطات في كل منطقة استراتيجيات متباينة لإدارة العملة والنظام المصرفي. كشف تقرير فريق الخبراء المعني باليمن والمقدم إلى مجلس الأمن الدولي عن سياسة ممنهجة لتدمير القطاع المصرفي عبر مصادرة البنوك والمؤسسات المالية، حيث أشار التقرير إلى أن وكالة 2 ديسمبر اطلعت على تفاصيل هذه الممارسات المدمرة للاقتصاد. هذه السياسات المتضاربة أدت إلى خلق نظامين نقديين منفصلين داخل البلد الواحد، مما زاد من تعقيد المشهد الاقتصادي وأثّر بشكل مباشر على حياة المواطنين.

تواجه الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً أزمة مالية خانقة انعكست على قدرتها في الوفاء بالتزاماتها الأساسية. لم تُصرف رواتب القوات المسلحة منذ يونيو الماضي، بينما لم يتسلم موظفو الخدمة المدنية رواتبهم منذ يوليو، وفقاً لتقرير مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. هذا التوقف في صرف الرواتب يزيد من معاناة الموظفين الحكوميين الذين يواجهون أصلاً تحدي انخفاض القوة الشرائية لرواتبهم بسبب ارتفاع أسعار الصرف.

رغم الجهود التي بذلها البنك المركزي اليمني في عدن لتحقيق استقرار نسبي، انعكس التحسن النسبي للعملة في المناطق الحكومية على أسعار السلع، حيث انخفضت أسعار المواد الغذائية والوقود بنسب تراوحت بين 20% و40%، مما خفف جزئياً من العبء المعيشي. ومع ذلك، يشير برنامج الأغذية العالمي إلى استمرار هشاشة الوضع الغذائي، حيث لا تحصل 62% من الأسر اليمنية على كفايتها من الغذاء، مما يؤكد أن التحسن النسبي في أسعار الصرف لم يكن كافياً لحل الأزمة الإنسانية الشاملة.

يؤكد الخبير الاقتصادي محمد الحمادي أن "ما نشهده اليوم هو انعكاس لأزمة هيكلية عميقة، والحلول المؤقتة لن تجدي نفعاً طويلاً". هذا التصريح يلخص طبيعة التحدي الذي يواجه اليمن، حيث تتطلب معالجة فارق الصرف حلولاً جذرية تتجاوز الإجراءات الفنية لتشمل توحيد السياسات النقدية والمالية، وهو ما يستدعي حلولاً سياسية شاملة تتجاوز الإجراءات التقنية لتشمل بناء إجماع وطني حول إدارة الاقتصاد وتوزيع الثروات.

تظل أسعار الصرف الحالية مستقرة نسبياً منذ أكثر من شهرين، حيث تشير البيانات الأخيرة إلى أن الدولار يتداول بين 1618-1633 ريالاً في عدن، بينما يحافظ على استقراره عند مستويات 535-540 ريالاً في صنعاء، وفقاً لما نشرته نافذة اليمن. هذا الاستقرار النسبي لا يخفي حقيقة أن اليمنيين يعيشون فعلياً في بلد بعملتين ومصيرين اقتصاديين مختلفين تماماً، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل الوحدة الاقتصادية للبلاد ومدى إمكانية العودة إلى نظام نقدي موحد في المستقبل المنظور.

اخر تحديث: 04 نوفمبر 2025 الساعة 05:35 مساءاً
شارك الخبر