في تطور صادم يهدد بتمزيق الاقتصاد اليمني إلى شظايا، سجلت أسعار صرف الريال اليمني فوارق جنونية تصل إلى 200% بين محافظات البلد الواحد، حيث يحتاج المواطن في صنعاء إلى 3 أضعاف ما يحتاجه نظيره في عدن لشراء نفس الدولار الواحد. هذا الانقسام النقدي غير المسبوق يعني أن كل دقيقة تمر تشهد نزيفاً حقيقياً في جيوب ملايين اليمنيين، في مأساة اقتصادية لم يشهد التاريخ مثيلاً لها داخل البلد الواحد.
الأرقام المرعبة تكشف حجم الكارثة الحقيقي: الدولار الأمريكي يُباع بـ 1633 ريال في عدن مقابل 540 ريال فقط في صنعاء، بينما الريال السعودي يصل إلى 428 ريال في عدن مقابل 140.5 ريال في صنعاء. أحمد الصنعاني، الموظف الحكومي، يصف مأساته قائلاً: "أشاهد راتبي يتبخر أمام عيني، فما أحتاجه لشراء احتياجات أسرتي أصبح يساوي ثلاثة أضعاف ما يدفعه أخي في عدن". هذا التفاوت الصاعق حوّل اليمن عملياً إلى دولتين اقتصاديتين منفصلتين، كل منهما تعيش في كوكب مالي مختلف تماماً.
جذور هذه المأساة تمتد إلى انقسام البنك المركزي اليمني منذ اندلاع الحرب في 2014، حيث أصبح لليمن فعلياً بنكان مركزيان يتبعان سياسات نقدية متضاربة. الدكتور عبدالله الاقتصادي، خبير المالية العامة، يحذر قائلاً: "ما نشهده اليوم يفوق كارثة انهيار الدينار العراقي في التسعينات، لأننا نواجه انقساماً نقدياً داخل البلد الواحد". الحصار الاقتصادي ونقص العملة الصعبة زادا من تعقيد الوضع، حيث تحولت التحويلات البسيطة بين المحافظات إلى عمليات معقدة تشبه التعامل بين دول مختلفة.
هذا الانقسام المدمر لم يعد مجرد أرقام على الورق، بل واقع مؤلم يعيشه ملايين اليمنيين يومياً. فاطمة التاجرة تروي معاناتها: "اضطررت لإغلاق متجري لأنني لا أستطيع تحديد أسعار ثابتة، فالعملة تتقلب كالأفعوان المجنون". السفر بين المحافظات أصبح مغامرة مالية حقيقية، والتخطيط لأي استثمار بات أمراً شبه مستحيل. الخبراء يتوقعون مزيداً من التدهور خلال الأشهر القادمة، مع احتمالية انهيار كامل للنظام المصرفي الموحد، مما قد يدفع البلاد نحو اعتماد عملات أجنبية بشكل كامل.
بينما يواصل الانقسام النقدي تدمير ما تبقى من الاقتصاد اليمني، يبقى السؤال الأهم: إلى متى سيتحمل الشعب اليمني ثمن هذا الانقسام الكارثي؟ الحل يتطلب توحيداً عاجلاً للسياسة النقدية، وإلا فإن المزيد من المعاناة في انتظار شعب يستحق حياة كريمة. على المواطنين اليمنيين التفكير جدياً في حماية مدخراتهم عبر تنويع العملات أو الاستثمار في الذهب، قبل أن تلتهم هذه الفوضى النقدية ما تبقى من أحلامهم وطموحاتهم.