حقق المدرب المغربي محمد وهبي إنجازاً استثنائياً بقيادة منتخب المغرب للشباب تحت 20 عاماً لأول لقب عالمي في تاريخ البلاد، محققاً بذلك حلماً راود الملايين من عشاق الكرة المغربية. هذا النجاح التاريخي لم يأت من فراغ، بل كان ثمرة رحلة طويلة لرجل اختار طريقاً غير تقليدي نحو المجد.

ولد وهبي عام 1976 في بلجيكا لأسرة مغربية مهاجرة، وبدأ مسيرته المهنية كمدرس في إحدى المدارس البلجيكية. لكن شغفه بكرة القدم، الذي نما منذ طفولته عند متابعة إنجاز المنتخب المغربي في مونديال 1986، دفعه لاتخاذ قرار جريء بترك التدريس والتوجه نحو عالم التدريب.
ما يميز تجربة محمد وهبي أنه لم يكن لاعب كرة قدم محترفاً، مما يجعل قصته تتشابه مع الأسطورة البرتغالي جوزيه مورينيو الذي سلك المسار ذاته من التعليم إلى التدريب. هذه الخلفية الأكاديمية منحته رؤية علمية ومنهجية في بناء الفرق وتطوير المواهب.
انطلقت رحلة وهبي الفعلية في عالم كرة القدم عام 2004 عندما التحق بأكاديمية نادي أندرلخت البلجيكي العريق. هناك تدرج في تدريب الفئات السنية المختلفة، واكتسب خبرة واسعة في تطوير المواهب الشابة. خلال مسيرته في أندرلخت، أشرف على تدريب نجوم مثل روميلو لوكاكو ويوري تيليمانس وجيريمي دوكو، الذين أصبحوا فيما بعد أعمدة المنتخب البلجيكي.
حصل وهبي على شهادة "يويفا برو"، وهي أعلى شهادة تدريبية يمنحها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، مما يعكس التزامه بالتطوير المستمر والتعلم الأكاديمي. هذا التكوين العلمي الراسخ ساعده في بناء فلسفة تدريبية متكاملة تقوم على الانضباط التكتيكي والإعداد الذهني.
في عام 2022، تولى وهبي مسؤولية تدريب منتخب المغرب للشباب تحت 20 عاماً خلفاً لعبد الله الإدريسي. منذ اللحظة الأولى، وضع رؤية واضحة لبناء جيل قادر على منافسة أقوى المنتخبات في العالم. نهجه يركز على الجانب الذهني كحجر زاوية، حيث يؤكد أن "اللعب بعقول صافية" هو سر النجاح.
بدأت ثمار عمل وهبي تظهر سريعاً، حيث قاد المنتخب المغربي للشباب للتتويج ببطولة شمال أفريقيا 2024، ثم وصل لنهائي كأس أمم أفريقيا للشباب في مصر رغم خسارته أمام جنوب أفريقيا. هذه النتائج كانت بمثابة التحضير المثالي للمحطة الأهم.
يؤمن وهبي بأن كلمة "المغرب" هي مفتاح النجاح، حيث يشارك جميع اللاعبين هدفاً واحداً هو تمثيل وطنهم وشعبهم وملكهم بأفضل صورة. هذه الروح الجماعية والانتماء الوطني العميق شكلا أساس فلسفته التدريبية.
خلال مونديال تشيلي 2025، أبهر وهبي العالم بقدرته على قيادة فريقه للتغلب على عمالقة كرة القدم العالمية. سقطت أمام "أشبال الأطلس" منتخبات إسبانيا والبرازيل وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وفرنسا، قبل إسقاط الأرجنتين في النهائي بهدفين نظيفين.
ما يميز أسلوب وهبي هو هدوؤه في أصعب المواقف وحسن إدارته لمجريات المباريات. يعتمد على التخطيط المسبق والتحضير النفسي، مع التركيز على نقاط قوة فريقه بدلاً من الخوف من الخصوم. هذا النهج العلمي والمنطقي جعله يكسب احترام اللاعبين والمحللين على حد سواء.
يرى وهبي أن نجاح وليد الركراكي في مونديال قطر 2022 كان مصدر إلهام لجميع المدربين المغاربة، حيث "كسر السقف الزجاجي" وأثبت أن الكفاءات الوطنية قادرة على تحقيق إنجازات عالمية. هذا الإنجاز عزز ثقة الجميع في قدرات المدربين المغاربة.
يتميز وهبي بقربه من اللاعبين ومتابعته لتفاصيل حياتهم، حتى أنه يلتقي بأولياء أمورهم لشرح المشروع الرياضي طويل الأمد. هذا النهج الشمولي يعكس فهمه العميق لأهمية البيئة المحيطة بالأداء الرياضي.
مع هذا الإنجاز التاريخي، دخل محمد وهبي نادي المدربين الكبار وأصبح اسمه يُذكر إلى جانب نخبة من المدربين المغاربة الذين بصموا على النهضة الذهبية للكرة المغربية، أمثال الحسين عموتة وجمال السلامي وطارق السكتيوي ونبيل باها.
يمثل محمد وهبي نموذجاً ملهماً للشباب العربي، حيث أثبت أن المسارات غير التقليدية يمكن أن تؤدي للنجاح، وأن الشغف والعمل الجاد والتطوير المستمر هي مفاتيح تحقيق الأحلام مهما بدت بعيدة المنال.