في مشهد لم تشهده قاعات المزادات السعودية من قبل، ارتفع سعر صقر منغولي واحد من 100 ألف ريال إلى 650 ألف ريال خلال 20 دقيقة فقط من المزايدة المحتدمة، محطماً كل الأرقام القياسية في تاريخ معرض الصقور والصيد السعودي الدولي. هذا المبلغ الخيالي، الذي يعادل ثمن 5 سيارات مرسيدس فاخرة أو شقة في أرقى أحياء الرياض، يؤكد دخول عالم الصقارة عصراً جديداً من الأسعار الأسطورية.
شهدت قاعة المزاد صراعاً محتدماً بين 8 مزايدين من كبار الأثرياء الخليجيين، حيث تصاعدت العروض بوتيرة جنونية وسط صمت مطبق من المئات من الحضور. "لم أر في حياتي مزايدة بهذه الحدة"، يقول أحمد البلوشي، زائر المعرض من دبي، الذي شاهد اللحظة التاريخية بعينيه. الصقر المنغولي، بعينيه الذهبيتين الثاقبتين وجناحيه الممدودين بطول مترين، وقف شامخاً في قفصه الذهبي وكأنه يدرك قيمته الاستثنائية التي تفوق راتب مهندس لمدة 15 سنة كاملة.
هذا الرقم القياسي ليس مصادفة، بل نتيجة قرار تاريخي اتخذته إدارة المعرض بتخصيص منطقة للصقور المنغولية لأول مرة في تاريخ الحدث. هذه الصقور النادرة، القادمة من سهول منغوليا الشاسعة، تحمل مواصفات استثنائية تجعلها الأكثر طلباً بين الصقارين المحترفين: ضخامة الحجم وقوة التحمل التي تشبه صاروخاً يخترق السماء، وقدرة على تحمل الظروف القاسية. "هذا صقر بجمال أسطوري وقدرات لا تُضاهى"، يؤكد د. محمد الشهراني، خبير الصقور بجامعة الملك سعود، مضيفاً أن السعر الخيالي يعكس ندرة حقيقية في السوق العالمي.
لكن وراء هذا النجاح المذهل، تختبئ قصص أخرى مؤثرة. خالد المطيري، صقار شاب من حائل، يقف بعيداً عن قاعة المزاد وعيناه تلمعان بالحسرة: "أحلم منذ 10 سنوات بامتلاك صقر منغولي، لكن هذه الأسعار الجنونية حطمت كل أحلامي". هذا الواقع الجديد يطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل هواية الصقارة: هل ستبقى حكراً على النخبة فقط؟ الخبراء يتوقعون ارتفاعاً إضافياً في أسعار جميع أنواع الصقور، مما قد يخلق فرصاً استثمارية للأثرياء، لكنه قد يحرم الطبقة الوسطى من ممارسة تراث أجدادهم العريق.
هذا الحدث التاريخي يضع المملكة العربية السعودية على خريطة عالمية جديدة كقبلة لأجود وأغلى الصقور في العالم، ويؤكد أن التراث الشعبي قادر على منافسة أغلى الاستثمارات العصرية. لكن السؤال الذي يلوح في الأفق: هل نشهد بداية عصر ذهبي جديد للصقارة يحافظ على التراث ويطوره، أم أننا أمام فقاعة سعرية قد تحول هواية الأجداد إلى لعبة مالية للأثرياء فقط؟