في تطور صادم هز شوارع كريتر، شهدت مباني الأحوال المدنية ازدحاماً بنسبة 300% عن المعتاد خلال ساعات الصباح الأولى، بعد أن رفضت أغلب محلات الصرافة تسليم الحوالات المالية إلا بالبطاقة الذكية أو الجواز الجديد. المشهد المأساوي الذي يشبه طوابير التموين في فترات الحروب، حول عملية استلام 100 دولار بسيطة إلى رحلة عذاب تستغرق يوماً كاملاً، تاركاً آلاف المواطنين عالقين بين الحاجة الماسة لأموالهم والبيروقراطية المعقدة.
تحولت مباني الأحوال المدنية صباح اليوم إلى خلايا نحل مزدحمة، حيث امتدت الطوابير لمئات الأمتار تحت حرارة الشمس الحارقة. أم سارة، 45 عاماً, واحدة من المئات الذين انتظروا لأكثر من 4 ساعات، تروي معاناتها: "جئت لاستلام حوالة من ابني العامل في السعودية، لكنني اكتشفت أن عليّ استخراج بطاقة ذكية أولاً." وأضافت بنبرة محبطة: "أمضيت يومي كاملاً بين الصرافة والأحوال المدنية من أجل 200 دولار فقط." الأرقام تشير إلى أن 80-90% من محلات الصرافة في المدينة طبقت القرار فوراً دون سابق إنذار.
هذا القرار المفاجئ ليس الأول من نوعه، بل يأتي كحلقة جديدة في سلسلة متتالية من ربط الخدمات الحكومية بالبطاقة الذكية. بدأت القصة بمنع استخراج شهادات الميلاد للأطفال إلا بحصول الأب والأم على البطاقة الذكية، ثم امتدت إلى منع استخراج جوازات السفر، والآن وصل الدور إلى التحويلات المالية. د. محمد الحداد، خبير الخدمات الحكومية، يعلق: "هذا التحول محتوم ولا مفر منه في عصر الرقمنة، لكن التطبيق المفاجئ دون تحضير مسبق يخلق أزمات اجتماعية حقيقية."
المعاناة لا تقتصر على الانتظار الطويل فحسب، بل تمتد لتشمل تعطيل الروتين اليومي لعشرات الآلاف من المواطنين الذين يعتمدون على التحويلات المالية كمصدر دخل أساسي. العائلات التي تنتظر أموال أبنائها العاملين في الخارج وجدت نفسها في دوامة بيروقراطية لا تنتهي. سالم العامري، أحد المتضررين، يصف الوضع: "رائحة العرق تملأ المكان، أصوات النقاشات الحادة في كل مكان، ووجوه محبطة تنتظر لساعات." الخبراء يحذرون من أن هذا مجرد البداية، فالمزيد من الخدمات قد تتطلب البطاقة الذكية قريباً، بما في ذلك الخدمات البنكية والطبية.
بينما يشهد اليوم أزمة مؤقتة في طريق التحول الرقمي الحتمي، تبقى الحقيقة الصادمة أن على المواطنين التحضير فوراً لاستخراج البطاقة الذكية دون تأخير، لأن القطار الرقمي قد انطلق ولن ينتظر أحداً. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل نحن فعلاً مستعدون لعصر الخدمات الرقمية، أم سنبقى في دوامة البيروقراطية التي تحول كل خدمة بسيطة إلى رحلة عذاب؟