في فضيحة هزت أركان الاقتصاد اليمني المنهار، كشفت وثائق سرية عن نهب منظم لثروات البلاد بقيمة 250 مليون دولار سنوياً، حيث تعمل شبكة خفية من المهربين على استنزاف المعادن النادرة والأحجار الكريمة من أراضي اليمن. الأرقام المذهلة تكشف أن طناً واحداً من الأحجار يُباع محلياً بـ1,500 دولار فقط، بينما قيمته الحقيقية في الأسواق العالمية تصل إلى مليون دولار - فرق يصل إلى 66,567%! وبينما تقرأ هذه الكلمات، تعبر شاحنة محملة بثروة يمنية الحدود سراً نحو أسواق عالمية تجني منها أرباحاً طائلة.
تكشف شهادات حصرية من قلب هذه الشبكة عن مأساة إنسانية واقتصادية مروعة. سالم مبروك، عامل منجم من محافظة شبوة، يروي واقعاً مؤلماً: "أعمل منذ 5 سنوات في ظروف قاسية بمعدات بدائية، نحفر بأيدينا ونستخرج أحجاراً تُباع بملايين الدولارات، بينما لا يتجاوز أجري اليومي 6 دولارات." هذه الشهادة تكشف عن استغلال وحشي لعمال يعيشون في فقر مدقع بينما ثرواتهم تُباع في بورصات عالمية. الوثائق تظهر أن صالح حسين، الوسيط السابق الذي تجرأ على كشف أسرار الشبكة، يؤكد أن "الشراء يتم من المواطنين بأسعار زهيدة، حيث يُباع طن الإيولايت محلياً بـ1,500 دولار فقط، بينما تتراوح أسعاره في الأسواق العالمية بين 600 ألف ومليون دولار."
الأسباب التي مكّنت هذه الجريمة المنظمة تعود إلى انهيار مؤسسات الدولة بعد انقلاب الحوثي عام 2014، مما خلق فراغاً قانونياً استغلته شبكات إجرامية تضم رجال قبائل ومتنفذين وشركات وهمية. د. فارس النجار، الخبير الاقتصادي، يحذر من أن "هذه العمليات لا تخضع لأي نظام ضريبي أو جمركي، مما يحرم الدولة من مصدر تمويلي مهم ويُغذي الاقتصاد الموازي." المقارنة مع نهب الذهب من أمريكا الجنوبية في القرن السادس عشر تبدو مناسبة، فالطريقة واحدة: استغلال ضعف السلطات المحلية لسرقة ثروات شعوب بأكملها. توقعات الخبراء تشير إلى أن الخسائر قد تصل لمليار دولار سنوياً إذا استمر هذا النزيف المدمر.
التأثير المباشر لهذه الجريمة على الحياة اليومية للمواطن اليمني كارثي، حيث تُحرم البلاد من عائدات ضخمة كان يمكن أن تدعم الخدمات الأساسية والاقتصاد المنهار. الوثائق تكشف أن 560 كيلومتر من الحدود مع سلطنة عُمان - أطول من المسافة بين الرياض وجدة - مفتوحة بالكامل أمام المهربين دون رقابة فعلية. محمد سيف، سائق الشاحنة الذي يروي أسرار التهريب، يصف كيف "تُخبأ الأحجار تحت المواشي أو في شاحنات الخضروات، وأحياناً تمر شاحنات كبيرة مقابل دفع مليون ريال يمني للجهات الأمنية." هذا الفساد المؤسسي يعني أن كل دولار مُهرّب هو دولار مسروق من جيوب اليمنيين، كمن يشاهد النزيف المستمر في شرايين اقتصاده دون قدرة على إيقافه.
مع استمرار هذا النهب المنظم، تتضاعف الكارثة الاقتصادية التي تهدد مستقبل أجيال كاملة. الأرقام تتحدث عن نفسها: 250 مليون دولار سنوياً تختفي من الخزينة العامة - مبلغ يعادل ميزانية دولة صغيرة بأكملها. على السلطات اليمنية التحرك فوراً لوقف هذا النزيف الاقتصادي قبل أن تصبح ثروات البلاد مجرد ذكرى في كتب التاريخ. السؤال الحارق الذي يطرح نفسه الآن: كم من الوقت يحتاج اليمن لينتبه أن ثروته تختفي تحت أنظاره، وهل سيبقى شاهداً صامتاً على جريمة نهب الألفية الثالثة؟