في لحظة واحدة، تغيرت حياة آلاف السكان في المنصورة، عندما نفذت القوات الأمنية حملة صاعقة لإغلاق محلات القات وسط الأحياء السكنية. لأول مرة منذ عقود، تصمت هذه المحلات التي كانت تشكل جزءاً من المشهد اليومي، في قرار جذري يعيد تشكيل وجه المدينة الساحلية. "73% من الرجال اليمنيين يستهلكون القات يومياً" - إحصائية تكشف حجم التغيير الذي ينتظر المدينة.
تحت أشعة شمس الظهيرة الحارقة، شوهدت القوات الأمنية وهي تغلق عشرات المحلات بأقفال معدنية، وسط صمت مفاجئ حل محل الضجيج المعتاد. أحمد المنصوري، الذي يعمل في بيع القات منذ 20 عاماً ويعيل 6 أطفال، وقف أمام محله المغلق وعيناه تحملان الحيرة: "عشرون عاماً من العمل انتهت في لحظة، لكنني أفهم القرار". الأوراق المتطايرة في الشارع ورائحة القات المتبقية تحكي قصة نهاية حقبة.
القرار لم يأت من فراغ، بل جاء استجابة لتصاعد الشكاوى من سكان الأحياء الذين طالبوا بحماية أطفالهم من هذه المشاهد. د. عبدالله العدني، خبير التنمية الحضرية، يؤكد أن "هذا القرار خطوة نحو مدينة عصرية، تماماً مثل منع التدخين في الأماكن العامة بالدول المتقدمة". الحملة تأتي ضمن رؤية أوسع لتحويل عدن إلى وجهة حضارية تواكب تطلعات سكانها.
في الأحياء المتأثرة، تتباين ردود الأفعال بشكل واضح. أم محمد، ربة بيت في حي المنصورة، لا تخفي ارتياحها: "أخيراً أطفالي لن يروا هذه المناظر أمام البيت". بينما تحذر د. فاطمة الحضرمي، الطبيبة النفسية، من ضرورة توفير بدائل اقتصادية للمتضررين: "25% من دخل الأسرة كان ينفق على القات، والآن نحتاج لتوجيه هذا المال نحو أنشطة مفيدة". التوتر الظاهر على وجوه التجار يقابله ارتياح واضح لدى العائلات.
هذا القرار التاريخي يطرح سؤالاً محورياً حول مستقبل اليمن الاجتماعي والثقافي. هل نشهد بداية تحول حضاري حقيقي في عدن؟ وهل ستحذو المحافظات الأخرى حذوها؟ الأيام القادمة ستكشف ما إذا كان هذا الإجراء سيكون نموذجاً يُحتذى به، أم مجرد قرار محلي محدود الأثر. الواضح أن عدن تكتب فصلاً جديداً في تاريخها، والسؤال الآن: هل نشهد بداية نهاية عصر القات في اليمن؟