في مشهد يحبس الأنفاس، شهدت أسواق الذهب اليمنية صدمة حقيقية اهتزت لها قلوب الملايين، حيث قفز سعر جرام الذهب عيار 24 إلى 28,798 ريال يمني - مبلغ يعادل راتب موظف بسيط لأسبوع كامل في بعض المناطق اليمنية. في الوقت الذي يكافح فيه ملايين اليمنيين لتأمين وجبة طعام، يحلق الذهب عالياً ليصبح حلماً بعيد المنال، وكل دقيقة تمر ترتفع الأسعار أكثر، والفرصة تتضاءل أمام المدخرين البسطاء الذين يرون مدخراتهم تتبخر أمام أعينهم.
تحولت محلات الصاغة من مراكز نشاط وحيوية إلى واجهات صامتة، والزبائن يقفون مصدومين أمام لوحات الأسعار التي تحمل أرقاماً فلكية. 895,747 ريال للأونصة الواحدة... رقم يمكن أن يشتري به اليمني البسيط سيارة أو يسدد إيجار منزل لعام كامل. أم أحمد، ربة منزل من صنعاء تبلغ 45 عاماً، تروي بحسرة: "كنت أحلم بشراء أقراط لابنتي بمناسبة نجاحها، لكن الآن أصبح الحلم مستحيلاً". بينما يؤكد محمد الحداد، تاجر ذهب في عدن: "الوضع أصبح كارثياً، لم نعد نستطيع تلبية طلبات الزبائن بهذه الأسعار المجنونة".
هذا الارتفاع الصاعق ليس وليد اللحظة، بل نتاج تراكمات اقتصادية وسياسية عالمية ومحلية تفجرت في هذا التوقيت. العاصفة المثالية من التوترات الاقتصادية العالمية وضعف الريال اليمني وقرارات الفيدرالي الأمريكي خلقت كابوساً حقيقياً للمواطن اليمني. يذكرنا المشهد بأزمة 2008 عندما لجأ العالم للذهب كملاذ آمن، لكن الوضع اليوم أكثر تعقيداً وخطورة. د. عبدالله المنصوري، خبير اقتصادي، يحذر قائلاً: "نتوقع مزيداً من التقلبات العنيفة، واليمنيون في مرمى النيران".
المواطن البسيط الذي كان يحلم بشراء خاتم ذهب لزوجته أو أقراط لابنته، بات حلمه مستحيلاً مع هذه الأسعار الجنونية. فاطمة صالح، مغتربة يمنية في السعودية، تتابع الأسعار يومياً بقلق: "كيف سأرسل هدية ذهبية لأمي كما أفعل كل عام؟ الأسعار أصبحت خيالية". موجة من العزوف عن شراء الذهب تجتاح الأسواق، مع تأجيل حفلات الزواج والبحث عن بدائل أخرى للادخار. بين مؤيد لبيع ما يملك والاستفادة من الأسعار المرتفعة، ومعارض يفضل الانتظار حتى استقرار الوضع، يبقى فارق 2,399 ريال بين عياري 24 و22 يعادل وجبة طعام لعائلة من 5 أفراد.
الذهب في اليمن لم يعد مجرد معدن ثمين، بل أصبح مؤشراً على عمق الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد. الأيام القادمة ستحدد ما إذا كان هذا الارتفاع مؤقتاً أم بداية لعصر جديد من الأسعار الفلكية. على المواطنين التريث وعدم اتخاذ قرارات متسرعة، والحكومة مطالبة بإيجاد حلول عاجلة. السؤال الذي يطرح نفسه: متى سيستطيع اليمني البسيط أن يمتلك جراماً واحداً من الذهب دون أن يرهن مستقبل أطفاله؟